فهد الرداوي - خاص ترك برس

مما لا يدعو للشك أو الريبة بوقفة من وقفات المنطق أمام ما يجري في سوريا وتلك الحرب التي يستعر وطيسها يوماً بعد يوم، فقد بدأت ثورة شعبية مطالبها كمطالب أبسط إنسان أوروبي أو أمريكي، أراد بها السوريون حقوقهم السياسية المسلوبة والاقتصادية المنتهبة من قبل عصابة وظفت نفسها لخدمة أوامر مشغليها في سبيل بقائها وضمان بعض الامتيازات الهزيلة المقدمة لها، وحين فشل النظام الأسدي بالسيطرة على هذه الثورة العظيمة رأى الشعب السوري وبشكل أسرع من الضوء تدخل العالم بأسره ليُكشف الستارُ عن مهولاتٍ كبيرةٍ لا علاقة لها بإسقاط النظام الأسدي أو لنصرة هذا الشعب فالمصالح تكذب دائماً أمام الحقائق.

سوريا.. إستراتيجية المكان والطاقة والشريان الاقتصادي

قد لا يعلم الكثير بأن سوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تربط ثلاث قارات ببعضها (آسيا و أوروبا برّاً وأفريقيا بحراً)، إذا ما استثنينا روسيا التي تُطل على آسيا وأوروبا وأمريكا من خلال آلاسكا (غير المُدرجة في الاستخدام الجغرافي لصعوبة مناخها وضآلة ساكنيها) وبُعدها عن التأثير المحوري الاستراتيجي أسقط أهميتها، أما سوريا بموقعها المحوري المتوسط للجغرافيا العالمية والمترابط مع خطوط إمداد الطاقة والتجارة من حيث (الإنتاج والاستهلاك) جعل منها الأهم على مرِّ التاريخ، فهي آخر نقطة حدودية في آسيا مع الحدود البرية الأوروبية عبر تركيا، وهي دولة الوحدة مع سيدة أفريقيا مصر عبر حدودها المائية في البحر المتوسط، وبهذه الجغرافية الفريدة تُشكّلُ سوريا جسراً برياً يربط أوروبا بدول آسيا وأهمها دول الخليج العربي والأردن ولبنان وإيران عبر العراق، ومنفذاً بحرياً آسيوياً لأوروبا وأفريقيا يختصر الكثير من الوقت والتكلفة.

سوريا.. الشريان الاقتصادي

تأتي أهمية سوريا الاقتصادية من خلال حدودها البرية وخاصة لدول الجوار (الأردن ولبنان والعراق)، فهي تُشكل للأردن رئة اقتصادية بالغة الأهمية حيث تتدفق آلاف الشاحنات التجارية القادمة من أوروبا وتركيا ولبنان يومياً عبر الأردن باتجاه دول الخليج العربي، ما يدر على الأردن مليارات الدولارات سنوياً كعائدات عبور وأخرى تجارية، ولا تقل لبنان عن هذه الكفاءة المالية إذ أنَّ جميع صادراتها البرية تمر عبر سوريا، أما العراق فيعتبر سوريا متنفساً تجارياً وصناعياً ونافذة يُطلُّ من خلالها على البحر المتوسط وأنابيب تصدير نفطه عبر الأراضي السورية خير دليل على ذلك.

الطاقة (النفط والغاز).. الممرات والمخزون

ربما تكون النتيجة الواجب استخلاصها في المشهد السوري بعد سبع سنوات من الحرب، هي أنَّ جميع الأطراف المتصارعة لا يهمها بقاء النظام الأسدي من عدمه (باستثناء الشعب السوري)، بل يهمها ضمان مصالحها، وأهم تلك المصالح هي ممرات الطاقة، وفي مقدمتها الغاز (فهو الطاقة الرخيصة والمطلب الركائزي للاقتصاد الأوروبي والطاقة البديلة المستقبلية)، فسارعت إيران في العام 2013 لإبرام اتفاق تصدير الغاز من أراضيها إلى سوريا مروراً بالعراق لضمان وصول إنتاجها إلى أوروبا عبر البحر المتوسط وبأرخص الأسعار، تلتها روسيا وفي نفس العام بإبرام اتفاق أكثر شمولية، تمثل بامتيازات النفط والغاز في المياه السورية، سعياً منها للحصول على الحصة الأكبر من احتياطي الشعبة الغازية في شرق المتوسط والمقدرة بنحو 400 تريليون م3 والذي تُمثل سوريا محوره، فضلاً عن مليارات البراميل من الاحتياطات النفطية، ما يجعلها ثاني أغنى منطقة في العالم، فالروس والإيرانيون يعملون من خلال هذه الاتفاقيات على ضمان السيطرة والتحكم بتدفقات الطاقة مع ضمان التوازن العالمي لأسعار الغاز في حال تم الاستغناء الأوروبي مستقبلاً عن الغاز الروسي، وإذا ما عدنا إلى خارطة المناطق المنتجة للغاز، سنجد أنها موزعة في كل من قطر والسعودية وإيران والعراق، وضمان وصول هذه الطاقة إلى الأسواق الأوروبية بطريقة سهلة ورخيصة يعني مرورها عبر الأراضي السورية، ليبدأ النزاع من جديد، فسيطرة إيران على ممر الطاقة هذا ولو بشكل جزئي سيكون بمثابة تحكمٍ بقرار المنطقة الاقتصادي ما يُشكل تهديداً مباشراً لأمن الخليج العربي يرقى لمستوى الخطر.

عن الكاتب

فهد الرداوي

الأمين العام لتيار التغيير الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس