د. علي حسين باكير - القبس الألكتروني 

بدعوة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الى ألمانيا في زيارة تمتد ليومين، حيث من المقرر أن يلتقي خلالها بنظيره الألماني بالإضافة الى المستشارة أنجيلا ميركل. ومن المتوقع أن يبحث الجانبان خلال هذه الزيارة العلاقات الثنائية بالإضافة الى أبرز التطورات الإقليمية والدولية ذات الصلة، لا سيما الملف السوري ومحاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بالإضافة الى العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

وتعدّ هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي الى ألمانيا منذ سبع سنوات، فضلاً عن كونها الأولى كذلك التي تتم ضمن النظام الرئاسي الجديد في تركيا. ويولي الطرفان أهميّة كبرى لهذه الزيارة لكونها تأتي بعد أن شهدت العلاقات بينهما تدهوراً في العامين الماضيين، لا سيما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في يوليو ٢٠١٦. واتّهمت أنقرة حينها برلين بتوفير ملاذ آمن لعدد من المشاركين في الانقلاب الفاشل، ودعم الميليشيات الكردية المصنّفة إرهابية والسماح لها بمسيرات وشعارات معادية لتركيا والرئيس أردوغان.

تزامن ذلك مع حملة انتقادات شديدة من قبل الصحافة والإعلام الألماني للرئيس التركي آنذاك، سرعان ما تطورت في ما بعد الى أزمة سياسية بين البلدين، لا سيما مع الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها ألمانيا وصعود اليمين المتطرف من جهة، ورد الجانب التركي بانتقادات حادة من جهة أخرى.

مصالح متبادلة

ومع حسم الرئيس التركي لمعركة الانتخابات الرئاسية والتحول الى نظام رئاسي، بدا أنّ أنقرة وبرلين تتّجهان نحو فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما، خصوصاً أنّ الأرضية الإقليمية والدولية كانت مهيّأة لحصول مثل هذا الأمر. فمجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى الحكم في الولايات المتّحدة، وسياساته في ما يتعلّق بالأزمات العالمية والاتفاق النووي الايراني فضلاً عن الحرب التجارية التي يشنّها، كلّها عوامل ساعدت الطرفين التركي والألماني على التقارب في ظل التقاء المواقف والمصالح من هذه الملفات.

وفي هذا السياق، تكتسب هذه الزيارة أهمية متزايدة لدى الجانب التركي الذي يسعى الى البحث عن بدائل مع تدهور علاقاته بالولايات المتّحدة أخيراً على خلفية قضية القس برانسون وما يسميه الاتراك «الحرب الاقتصادية» التي يشنّها البيت الأبيض ضد تركيا. في المقابل، تخشى ألمانيا من أنّ يؤدي الإضرار بالاقتصاد التركي أو بموقع ودور تركيا الإقليمي في هذه المرحلة الى فتح أبواب الجحيم على أوروبا، مما يؤدي الى زيادة الأعباء الملقاة على ألمانيا بصفتها قاطرة الاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا

ولهذا السبب بالتحديد، حرص الجانب الألماني على التعبير عن دعمه للاقتصاد التركي ولاستقرار تركيا خلال ازمة تدهور سعر صرف الليرة الشهر الماضي، كما بدا دعم برلين لموقف أنقرة واضحاً في معارضة أي عمل عسكري للنظام السوري ضد إدلب، وذلك في سياق البحث عن حلول تحفظ أرواح ملايين المدنيين وتمنع إطلاق موجات جديد من اللاجئين باتجاه أوروبا.

في كلتا الحالتين، كانت هناك مصلحة ألمانية في دعم الموقف التركي، وهو أمر يبدو مناسباً كذلك من وجهة النظر التركي، حيث يسعى المسؤولون الأتراك الى الاستثمار في المواقف والمصالح المشتركة للطرفين في هذه المرحلة بالذات. تركيا تنظر الى ألمانيا بوصفها بوابة الاتحاد الأوروبي، ولذلك هي تأمل أيضاً ان يؤدي التسارع الايجابي في العلاقات الثنائية الى فتح آفاق أوسع مع عدد كبير من الدول الاوروبية لاحقا. وفي ظل المعطيات الإقليمية والدولية، يسعى الجانبان الى تنسيق أكبر في الفترة المقبلة.

ألمانيا شريك اقتصادي حيوي بالنسبة الى لتركيا، فحجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي حوالي ٤٣ مليار دولار. لألمانيا ٦٤٠٠ شركة فاعلة في تركيا، كما يحتل السيّاح الألمان دوماً المرتبة الأولى أو الثانية في تركيا. في المقابل، توجد جالية تركية كبيرة في ألمانيا تتجاوز الـ٣ ملايين تركي، وهناك طموح دائم لدى الطرفين في دفع العلاقات الاقتصادية قدماً الى الامام.

أهمّية ألمانيا لا تنبع فقط من كونها شريكاً اقتصادياً لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة الى الجانب التركي، فلبرلين قرارها السياسي الذي يستطيع أن يترك صدى له في الساحة الدولية، وهو ما يريد المسؤولون الاتراك الاستفادة منه في الملفات التي يتمايز الموقف التركي فيها عن موقف الولايات المتّحدة وروسيا. بمعنى آخر، من وجهة نظر تركيا، علاقات أكثر تنوّعاً مع اللاعبين الكبار في العالم ستخدم بشكل أفضل المصالح التركية، وهذا ما يأمل الرئيس التركي تحقيقه في زيارته التي يقوم بها اليوم.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس