غونري جيوا أوغلو – صحيفة ملليت – ترجمة وتحرير ترك برس

نسبة التضخم السنوية 24 في المئة..

بعد انخفاض نسبة التضخم إلى خانة واحد، لا تبدو نسبة 24 في المئة "خبرًا طيبًا"، بطبيعة الحال.

هذا هو النصف الفارغ من الكأس..

لننظر الآن إلى النصف الممتلئ..

***

خلال 55 عامًا من حياتي المهنية كصحفي شهدت نسب تضخم مذهلة..

أذكر أيامًا كانت نسبة التضخم 25 في المئة تعتبر بشرى سارة..

على سبيل المثال، أواخر السبعينات..

كان سليمان دميريل رئيسًا للوزراء، واستلمت "حكومة الأقلية" التي شكلها "اقتصادًا منهارًا".

استضفت دميريل في برنامج تلفزيوني، وخلال طرحي الأسئلة عليه قال إن حجم الموازنة الجديدة سيكون بالتريليونات.

للمرة الأولى يسمع الشارع التركي بموازنة تقدر بالتريليونات.  

سألته: "هل قلتم تريليون أم أنني أخطأت الفهم؟".

أجاب: "علينا أن نعتاد من الآن فصاعدًا على لفظ التريليون".

كان دميريل يريد خلق تصور عن نمو موازنة الدولة في عهده..

لكن في الواقع، كان التضخم في ارتفاع شديد والليرة فقدت قديمتها إلى حد كانت الموازنة فيه متقلصة عن العام السابق.

لكن حتى في حالها المتقلص، كان دميريل يتحدث عنها بالتريليون وكأنها كبرت.

***

بعد انتهاء تصوير البرنامج، دعاني دميريل إلى منزله لنتبادل أطراف الحديث..

عندما دخلنا المنزل قال لي دميريل وهو يضحك:

"ستنشغل المعارضة الآن بعبارة (موازنة بتريليون ليرة)، وستتحدث عنها ليلًا ونهارًا، سيكتب الصحفيون عنها، وبينما ينشغل الجميع بهذه الموازنة، نقوم نحن بأداء عملنا..".

أدركت في ذلك اليوم "استراتيجية الزعماء في ابتكار أجندات وفق رغباتهم وتناسب عملهم".. يلقون عبارة يشغلون بها المعارضة والإعلام، ويوجهون الانتباه إلى تلك الناحية.

***

حقيقةً، كانت تركيا تعيش شحًّا في العديد من السلع.

المحروقات والسكر والزبدة، وحتى مصابيح الكهرباء.

وضع دميريل خريطة تركيا أمامه. كان يتواصل مع جميع ولاة المحافظات، ويرسل إلى المحافظات التي تعاني من شح في سلع ما، كل ما كان ينقصها.

قال لي ذات مرة: "أقضي على الشح في كل محافظة على حدة".

لكنه كان يقوم بذلك في ظل حديث مانشيتات الصحف عن "موازنة بالتريليونات"، وليس عن الشح وعدم توفر السلع.

وانخفضت أرقام التخضم المؤلفة من 3 خانات.

وتم القضاء على شح السلع.

ونتيجة القرارات الاقتصادية المتخذة في 24 يناير 1980 تحققت ثورة مالية، انحلت بفضلها مشكلة العملة الصعبة، التي أثرت على تركيا بدءًا من القرنين الأخيرين من عهد الدولة العثمانية.

اليوم أيضًا نعيش وسط نظام العملة الحر. شهدنا في التسعينات ومطلع الألفية الثالثة نسب تضخم وصلت إلى 1500 في المئة.

بمعنى أن 24 في المئة نسبة مثيرة للقلق، لكن يمكن خفضها مجددًا إلى خانة واحدة في غضون فترة قصيرة من خلال الانضباط الاقتصادي الصارم، والتقشف وبعض جرعات العلاج المؤلمة.

عن الكاتب

غونري جيوا أوغلو

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس