فراس السقال - خاص ترك برس

أصدر النظام السوري قراراً يقضي بمنع أهالي حي التضامن في جنوب دمشق من العودة إلى بيوتهم، بحجة عدم صلاحيتها للسكن، وألحق قراره بالقانون رقم عشرة، الذي يقضي بنيّة النظام إعادة تأهيل المناطق التي سيطر عليها، وتنظيمها بشكل أفضل مما كانت عليه حسب زعمه، والشيء الذي يزرع الريب في نفوس الكثير، أنه لم يُعيّن الوقت الذي سيتم به إنهاء مخططه، بل ولم يعلن عما سيفعله، ولا يوجد أي بادرة عمل مقبلة، والشيء الوحيد المعلن عن هذا القانون المبهم هو منع أصحاب الحقوق من استعادة حقوقهم، والشيء الآخر تبليغ الأهالي بمهلة عشرة إيام فقط لإثبات ملكيتهم لتلك العقارات، وإلا فلا حق لهم عنده، وهذا ضرب من الأمور المعجزة، فمن نهب بيته أو حرق، أو من تم قتله تحت التعذيب أو مازال معتقلاً أو اضطر ليهاجر خارجاً فكيف يستطيع هؤلاء إثبات حقوقهم ؟!

ثورة أصحاب الحقوق:

إن جَور هذا القرار جعل أصحاب العقارات في الحي بالقلق على حقوقهم، فقاموا بتقديم اعتراضاتهم لدى وزارة العدل، وتوكيل المحامين لعلهم يحظوا بفوز قضاياهم، التي لن تر النور أبداً. علماً بأن حجم تلك العقارات يبلغ عشرات آلاف المحاضر، وسكان ذلك الحي يفوق 200 ألف نسمة. وقد قام النظام بتخدير العوائل الثائرة المهجرة المشردة من حي التضامن، بأن هذا المشروع قد يستغرق على الأقل من أربع إلى خمس سنوات، ولا أظنه تخديراً بل إماتة لتلك الحقوق بطريقة غير مباشرة.

حي التضامن الدمشقي:

وحي التضامن ذلك الحي الشعبي، الذي يأوي عشرات الآلاف من السوريين، الذين تُقدر حالتهم الاجتماعية في قبو الطبقة الفقيرة، ويعتبر الحي من أكثر المناطق السورية كثافة على الإطلاق.

حيلة التفتيش بهدف التعفيش:

إن أغلب هذا الحي وحسب إفادات بعض الأهالي، لم تدخله العمليات المسلحة، ولكن هاجمته وحدات التعفيش الخاصة التابعة لميليشيات الأسد، وقد ذكر لي صديقي هناك أن حارات وأزقة بكاملها كانت تُباع للمتعهدين (وهم مجموعة من الناهبين اللصوص، يتساومون مع ضباط الجيش لشراء منطقة كاملة لنهبها وتعفيشها، بشرط حماية ميليشيات الأسد لهم، وتعهدهم بعدم دخول غيرهم لها).

حق المساواة:

إن من حقوق الإنسان حق المساوة، وهذا الحي وغيره من الأحياء الفقيرة، لم يروا أي بادرة للمساواة مع باقي الأحياء الدمشقية، فهذا الحي لا يعادل مع حي مزة 86 ، وحي السومرية، وضاحية الأسد، وحي عش الورور، فكل تلك الأحياء مدعومة من جهاز الأمن السوري، حيث أن قاطنيها من طائفة الأسد وجنوده وأتباعه وزبانيته، فلا يمكن موازنتهم مع حي التضامن المعدوم.

حق التملك:    

إن من حقوق الإنسان حق التملك، وحي التضامن أغلب ساكنيه من الدمشقيين الفقراء وبعض الأخوة الفلسطينيين، وهم يمتلكون بيوتهم وعقارتهم هناك، ولكن الأسد يعتبر تلك الممتلكات والعقارات ملكاً له، ففي عقيدته أنه يمتلك رقاب شعبه، فمن الأولى أن يمتلك ما يمتلكه شعبه، فيعمل بقاعدة "أنت وما ملكت لسيدك".

 وما اعتاد عليه الأسد وأعوانه هو التضحية بالدمشقيين، وقهرهم وسلبهم من مقومات الحقوق والملكية. وفي نفس الوقت أتى بالشيعة من لبنان والعراق وايران، وملَّكهم العقارات في أغلى مناطق دمشق (أحياء الشام القديمة).

ومن حقوق الإنسان وحسب المادة (19) أنه لا يجوز لأحد تجريد شخص عن حقوقه، فبأي حق يقوم هذا النظام بتجريد أصحاب الحي وغيره من ممتلكاتهم؟

الأهداف المبيتة في القانون رقم عشرة:

إن ما يهدف له الأسد من وضع 4-5 سنوات مهلة، هو فرصة لبيع المنطقة إما لروسيا، أو لإيران وهو الأرجح، فحي التضامن واقع على خط الحج المقدس في السيدة زينب، الذي يحميه في بدايته فرع فلسطين، وفي نهايته المخابرات الجوية، وفي أوسطه الميليشيات الشيعية الزاحفة من شتى بلاد العالم.. إضافة إلى أن طول المدة يجعل صاحب الحق ييأس من حقه، وخاصة إن رافقه كم الأفواه، والضغط الأمني. ومن أهدافه إكمال التغير الديموغرافي الذي بدأ به من سنوات.

إن ما يسمى القانون رقم 10 بعيد عن أي قوانين تضمن حق الإنسانية في سورية، ومخالف لجميع الأنظمة الدولية، والشرائع والقوانين الوضعية، وممكن إدراجه تحت باب واحد من القوانين إلا وهو قانون العقوبات فقط.

حماقة الموالين:

إن ألة القمع والظلم الأسدية لم تسلم منها أي فئة سورية مسلمة على الإطلاق، فنظامه الجائر يعمل على استعطاف الحاضنة المؤيدة له، وبعد أخذ ما يريده من تعبيدهم واذلاهم وسلخهم من أدنى حقوقهم، يقوم بتجريدهم من كل ممتلكاتهم، ولا يسمح لأي فرد منهم بالاعتراض أو الرفض، فهو يَمنّ عليه أن أبقاه على قيد الحياة.

صاحب الحق سلطان:

أقول لجميع أهلنا في حي التضامن الدمشقي، بل ولأهلنا في كل شبر من سورية الحبيبة: لا تأمنوا لهذا الظالم، ولا تتنازلوا عن حقوقكم، فلا يجوز السكوت عن الحق ولو مات الإنسان دونه، فالساكت عنه شيطان أخرس، ولا تسلموا لقوانين جائرة بكل الأديان والشرائع، شُرعت على عين مجلس التصفيق، وبحماية أجهزة الأمن، ولا علاقة للمؤسسة العدلية الحقوقية السورية بذلك القانون، فهي مرغمة مجبرة على مداهنة من يملك تعذيبها، أو طردها أو قتلها أو نفيها أو تخوينها أو تسمينها، وما أُخذ بالغصب والسطوة لن ترجعه أضابير الدعاوى، ولا روب المحاماة الأسود، أو مطرقة القضاة التي تطرق رؤوس المظلومين المعدومين، لا أيدي الطغاة الجائرين. 

عن الكاتب

فراس السقال

باحث في العلوم العربية والإسلامية واستاذ جامعي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس