أمين بازارجي  - صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

كانت المعارضة ممثلة العلمانية، ترى في جماعة فتح الله غولن بأنها من أكبر الأخطار على العلمانية، لكنهم اليوم، متحدون ويتمركزون خلف نفس الموقف لمواجهة حزب العدالة والتنمية.

اليوم احتضنوا بعضهم البعض، لتقف الجماعة خلف العلمانيين في الانتخابات المحلية وانتخابات رئاسة الجمهورية، وبدؤوا بعد ذلك بالتوحد والتحرك كشخص وكجسم واحد.

ما زالوا يتمسكون بقول "عدو عدوي صديقي"، ليصبحوا صوتا واحدا، ولتتحد المعارضة خلف متراس واحد، وعندما حدث ما حدث بخصوص بنك آسيا، خرج أحد العلمانيين ليقول "لا يمكن القبول بمثل هذا التصرف"، ليرد عليه نائب آخر منهم بالذهاب إلى البنك وفتح حسابات فيه.

الأغرب من ذلك، أنه وبرغم قيامهم بكل هذا، وبرغم اتخاذهم موقف موحد ويتحركون بصفة واحدة، إلا أنهم في الأخير يتهمون الحكومة بأنها هي من أوصلت وسمحت لجماعة غولن أنْ تصل إلى ما وصلت إليه من تغلغل في الدولة.

نعم، هناك اعتراف حول هذا الكلام من قبل الحكومة التي لطالما قالت لنا "خانونا، وطعنونا من الخلف، ونحن لم نتوقع منهم ذلك"، لكن اليوم سقط القناع وبان الوجه الحقيقي لهم للقاصي وللداني، حيث اكتشفت الحكومة أنّ الجماعة قامت بالعديد من العمليات خارج إطار القانون، وبدأت الحملات ضدهم ورُفعت عليهم دعاوى قضائية، وربما يصل الخطر في الأخير إلى حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية إذا ما ثبت تورطهم في أعمال غير قانونية.

من يهتم بذلك؟ في الأمس لم يكن حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية يملكون أي دليل على جماعة غولن، لكنهم كانوا يقفون ضدها ويتهمونها بكل شيء، لكن اليوم، وبرغم كل الأدلة القاطعة على تورط الجماعة في أعمال ضد الدولة والجمهورية التركية، تجدهم يقفون جنبا إلى جنب، وكتفا إلى كتف معهم. هذا تحوّل 180 درجة في الموقف والمبدأ، وهذا أمر غريب فعلا، لا يمكننا فهم وتصور حالة المعارضة وروحها.

ربما يقول قائل "ألم تصمد الحكومة وفشل الانقلاب؟"، نعم هذا صحيح، لكن الحكومة اكتشفت "هيكل وإطار لجماعة غير قانونية تقوم بأعمال مخالفة للقانون"، ولهذا تتصرف بناء على ذلك، لكن هل يوجد من المعارضة أحد يخرج ليقول "نعم، اكتشفنا أنّ الجماعة متورطة في أعمال مخالفة للقانون، وقد خدعنا بهم"؟ بالتأكيد لا، فالأهم بالنسبة لهم هو المعارضة، كيفما كانت وبأي شكل وتحت أي إطار، المعارضة من أجل المعارضة، والهدف العدالة والتنمية.

***

يتبعون نفس الأسلوب في كل المواقف، فحزب الحركة القومية الذي كان من أشد المؤيدين للانتقال للنظام الرئاسي، أًصبح اليوم من أشد المعارضين له، بينما الحزب الذي يتغنى بأنّ "أتاتورك هو من أسسه"، يُنكر تاريخه الذي كان فيه أتاتورك يقيم نظام الحزب الواحد الأقرب للنظام الرئاسي، ويقف ضد سعي تركيا للانتقال للنظام الرئاسي.

وهذان الحزبان الذين يتغنون بأنهم أكثر من ظلم من انقلاب 12 أيلول، أصبحوا اليوم يدافعون عن دستور الانقلاب، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة لكي لا يغيره حزب العدالة والتنمية.

وأما ردة الفعل على حزمة العقوبات التي تريد أنْ تقرها الحكومة فهو أمر يدعو للضحك، حيث يقول "دولت بهشتلي" رئيس حزب الحركة القومية:

إذا خرج هذا القانون فإنّ تركيا ستعيش في كارثة!

 لماذا؟ لأن العقوبات بحق مستخدمي المولوتوف ستزداد؟ أم لأن القانون الجديد سيمنع من التعرض لعصي رجال الأمن؟ أم لأنه سيقلل من وقع النزاعات والخلافات وأعمال العنف في المجتمع؟

ألم يكن حزب الحركة القومية هو أكثر الأحزاب المشتكية من هذه الأعمال وممن يقوم بها؟ أليس هو من كان يقول "أوقفوا هؤلاء" منذ سنوات طويلة؟ ألم يتهموا الحكومة دوما بأنها لم تكافح الأعمال الإرهابية بصورة مجدية؟

في المقابل حزب الشعب الجمهوري موقفه أكثر غرابة، حيث تحدث رئيس الحزب "كمال كيليتشدار أوغلو" بلغة تهديد:

إذا استمرت هذه العملية، فسيكون من حق الشعب المقاومة.

بمعنى أنه يدعم أعمال العنف والفوضى والاحتجاج غير القانونية، فربما يستخدم الحزبان جملا مختلفة، لكنهم بلا شك يصطفون تحت نفس الإطار، ومن أجل تحقيق نفس الهدف.

***

بعد سرد هذه المواقف، نستنتج أنّ ملخص المشهد السياسي في تركيا يتمثل بالآتي:

هناك طرف يمثله حزب العدالة والتنمية، والبقية تقف مقابله في الطرف الآخر، حزب العدالة والتنمية يتحدث بكذا وكذا، لتنتقد البقية كلها ذلك ويطالبون بعكس ما قال العدالة والتنمية، لأن السياسة حاليا في تركيا فقط تُدار على أساس الوقوف في وجه الحزب الحاكم.

للأسف هذه هي الحالة التي وصلت إليها السياسة والديمقراطية في تركيا!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس