ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

ثلاثة أسابيع ولا تزال الاحتجاجات مستمرة في بلاد السحر والجمال، وفي مدينة الجن والملائكة اندلعت شرارة غضب أصحاب السترات الصفر الغاضبين من الرئيس الفرنسي الذي وعد الفرنسيين بمزيد من الرخاء وقليل من الضرائب، ورغم مرور ما يزيد عن السنة والنصف لم يحقق الرجل الذي يقود فرنسا إلى الأمام (أسم حزبه) ما وعد به ناخبيه الذين أوصلوه إلى باب الإليزية بستة وستين بالمئة من مجموع الأصوات في الانتخابات الرئاسية، ففي أول خطاب له بعد إعلان النتائج تعهد إيمانويل ماكرون (إن صفحة جديدة من تاريخنا الطويل تفتح، أريدها أن تكون صفحة الأمل واستعادة الثقة). لكن وفيما يبدو لا ثقة استعاد ولا صفحة فتح.

فأداء حكومة ماكرون لم يرق إلى حد قبول الشارع الفرنسي الذي طمح في الشاب أن يعيد لفرنسا شبابها بعد ان تمسك الشعب بالاتحاد الأوروبي طامحا أن تؤدي رؤية ماكرون لأجهزته إلى إعادة فرنسا إلى صدارة المشهد العالمي سياسيا واقتصاديا، إلا أن الأخيرة كانت سببا كافيا لغضب الشعب الذي بات يتحمل قرارات الحكومة المهتزة ويدفع الثمن في صورة مزيد من الأعباء، ولقد كان القرار الأخير بزيادة سعر المحروقات، وجاء تبرير ماكرون لرفع سعر المحروقات، الحفاظ على البيئة، ليصب الزيت على نار الغاضبين الذين يرون الطبقات الغنية في فرنسا غير المتضررة من قرارات ماكرون الاقتصادية، تؤيد هذه القرارات، مما يعني بالضرورة أن تلك القرارات تصب في مصلحتهم بالضرورة، مما جعل البعض يرى في ماكرون رئيسا للأغنياء.

ومع تفاقم الأوضاع في فرنسا وفي القلب منها في باريس أفردت قناتي العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية مساحات واسعة من ساعات البث لأزمة فرنسا، وكأنها العضو الثالث والعشرين في جامعة الدول العربية، حتى أن أحداث فرنسا باتت تتصدر نشرات الأخبار في القناتين متقدمة على احتفال الامارات مثلا بعيدها القومي.

وهم في ذلك أصحاب رؤية، إذ أن الدولتين المأزومتين بعد جريمة مقتل الصحفي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول، تبحثان عن ما يلهي مشاهدهما، لاسيما وان تظاهرات فرنسا كانت فرصة للانتقام من الرئيس الفرنسي الذي وبخ ولي العهد في قمة العشرين.
لكن من وجهة نظري وبمتابعة دقيقة لتناول القناتين لأحداث فرنسا، بالإضافة لمحاولة الإلهاء فإنهما تريدان توصيل رسالة مهمة، تظهر هذه الرسالة من خلال زوايا تناول الخبر ووضع الكاميرات.

فكاميرات العربية وسكاي نيوز كانتا دائما ما تركز على مشهدين مهمين يتكرران ما سمحت الظروف لإخراجهما.

المشهد الأول مشاهد إحراق السيارات ومحاصرة المباني، والغرض من ذلك إظهار المحتجين على أنهم مجموعة من الهمج الفوضويين، حتى أن مراسل العربية سقط سقطة مهنية لا تغتفر، حين قرر ان المتظاهرين استطاعوا السطو على أحد البنوك في باريس.

أما المشهد الثاني فهو تكرار مشهد تعامل الشرطة الفرنسية العنيف مع المتظاهرين والتدقيق عليه وإعادته وتكراره سواء أثناء البث المباشر أو من خلال التقارير أو النشرات الإخبارية، وهي الرسالة الثانية التي تريد ان تمررها للمشاهد العربي، إنه لا تهاون مع المتظاهرين المارقين الخارجين عن طاعة ولي الأمر، وإن على المواطن العربي أن يدرك أن التظاهر لا يفيد.

ولا عجب أن تصدر هذه الرسائل من دول تدير الثورات المضادة في دول الربيع العربي ولا تزال تنفق من أموال شعوبها من أجل التأكد من قتل إرادة الشعوب بتموبل الأنظمة الانقلابية في تلك البلاد، مقدمين الرشا للدول الكبرى للإبقاء على تلك الأنظمة الوظيفية بعد أخذ العهود منها بالمحافظة على مصالحها.

لكن ورغم كل هذه فإن هذه الأموال سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، إذ أن المشهد الشعبي في تونس الرافض لزيارة ولي العهد كان دليلا قاطعا على ان شعوب الربيع العربي مازالت حية وأن المعركة مستمرة بين الحق والباطل وإن علا الباطل في موقعة فإن المعركة مستمرة وكذلك الثورة مستمرة، فالبقاء للشعوب والنصر حتما لها.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس