مولود تاتيلير - The New Turkey - ترجمة وتحرير ترك برس

لا غرابة في أن تشهد تركيا تباطؤًا اقتصاديًا بعد صدمة انخفاض سعر صرف الليرة  في أيار/ مايو وآب/ أغسطس 2018، التي لا ترجع إلى الاقتصاد بل إلى السياسة، كما أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحاته وهجومه على تركيا وعلى الليرة التركية. إلا أن الاقتصاد التركي يملك من القوة ما يمكنه من التغلب بسرعة على هذا التباطؤ، على الرغم من التغطية السلبية المنحازة على نحو لا يصدق لوسائل الإعلام الغربية عموما  فيما يتعلق بالاقتصاد التركي.

من الواضح أن الاقتصاد التركي حقق أداءً رائعا خلال السنوات الماضية، حيث بلغ متوسط ​ نمو الناتج المحلي الإجمالي 5.5 في المئة منذ عام 2002. وعلى الرغم من معاناة الاقتصاد التركي خلال السنوات القليلة الماضية  من عدة هجمات، مثل أحداث غيزي بارك، والانقلاب القضائي في 2013، وهجمات البي كي كي وداعش، والأهم من ذلك محاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز/ يوليو، فقد تمكن من الحفاظ على المسار الصحيح، وحقق نموا جيدا وتجنب الانهيار الاقتصادي. ليس من قبيل المبالغة القول إنه لم يكن بمقدور أي بلد ت تجنب أي من هذه الأزمات، لكن تركيا تغلبت عليها جميعًا. وعلينا أن نضيف إلى قائمة الضربات التي حدثت منذ عام 2013، الهجمات المالية التي وقعت في العامين ونصف العام الماضي ضد الاقتصاد التركي. فبعد محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو ومع تزايد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، بدأ الاقتصاد التركي يعاني من هجمات مالية غذتها بشكل كبير وكالات التصنيف الائتمانية "الدولية" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، ووسائل الإعلام الغربية، إلى جانب الولايات المتحدة نفسها بالطبع.

لم تكن مقاربة وسائل الإعلام الغربية تجاه تركيا قط موضوعية أو ودية، في مقابل خطابها الساذج  قبل انتشار وسائل المعرفة. وفي التحليل النهائي فإن المنفذ الإعلامي الذي يعتمد بالطبع على القوة المهيمنة في العالم أو على "حلفائها التقليديين"، يحتاج لكي يكون قويا إلى عدم نشر المزيد من المعلومات على أساس موضوعي، بل إلى ليً عنق الحقائق وتحريفها، وفقا لمصالحهم واحتياجاتهم.

ولهذا السبب بالضبط، لا يمكن أن يكون البيض، أي الغربيون "الأصليون" إرهابيين، بل حالات منفردة أو مجنونة أو "كانوا أطفالا ملائكيين"، عندما يطلقون النار على أعداد كبيرة من الناس بأسلحة آلية أو نصف آلية. وفي المقابل يمكن أن يكون "غير البيض" والمسلمون إرهابيين بسهولة، ويمكن أن يكونوا جميعهم إرهابيين محتملين، كما تدل بوضوح تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلاوة على ذلك، فإن الأعمال غير المشروعة مثل التجسس والأنشطة المرتبطة بالإرهاب يُتنصل منها بشدة وتُجرف تحت بساط الصحافة عندما يتعلق الأمر بتركيا. لكن عندما تكون المصلحة الذاتية للدول الغربية على المحك، يمكن أن يصبح "الصحفيون" بسهولة "عملاء معاديين" أو "نشطاء"، ومن ثم مجرمين أو مجرمين محتملين.

هل هذه صحافة جيدة وموضوعية؟ نعلم جميعا أنها ليست كذلك. ولا تتوقف تلك الصحافة عند هذا الحد، فهي تتابع مصلحتها الشخصية عندما تحتاج إلى لي عنق الحقائق والأحداث في مجالات أخرى لماذا تتوقف هنا؟ لماذا لا تتابع مصلحتك الشخصية عندما تتتطلب ليً الحقائق والأحداث في مجالات مثل الاقتصاد. إن الزعم بأن وسائل الإعلام هذه تصنع الأخبار بموضوعية، هي أعظم نظرية مؤامرة في العالم.

وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية لم تكن قط "معجبة" بتركيا، فإن موقفها ضد تركيا تطور على نحو متزايد  بعد عام 2013 إلى درجة العداء الصارخ الذي نشهده اليوم. كانت تقارير الإعلام الغربي عن تركيا في الجانب السلبي، ودائما ما تكون بلاغية وليست تحليلية، أي أنها ليست محكمة جيدا، كما أنها تخفق في تقديم صورة كاملة مع الربط الصحيح بين عناصر الصورة، كما أنها أخفقت بشكل لا يصدق في بناء "تقييماتها" على الأرقام الصحيحة. التقارير الغربية عن تركيا فقيرة في الأرقام، وطويلة في السياسة تمتلئ بالانتقادات القاسية و"التقييمات" التي أخفقوا في إثبات الدليل عليها.

ومن ذلك على سبيل المثال، وهو ما أوضحته بالتفصيل في أحد مقالاتي السابقة، أن بعض وسائل الإعلام الغربية طرحت مستوى "الالتزامات قصيرة الأجل بالعملة الأجنبية للشركات غير المالية" في تركيا كمبرر لـ"تقييمها" بأنها في وضع سيء. ولكن وسائل الإعلام تلك أخفقت في تقديم الجانب الآخر من الصورة، أي مستوى موجودات العملات الأجنبية قصيرة الأجل لنفس الشركات غير المالية، والتي كانت 6.5 مليار دولار، أي  أكثر من التزاماتها.

والأكثر غرابة أن وسائل الإعلام الغربية في الشهرين الأخيرين، كثيرًا ما طرحت عجز الميزانية ومستوى الدين العام كعامل مقلق لاستقرار الاقتصاد الكلي في تركيا. لكنها أخفقت أيضا في ذكر الأرقام ذات الصلة. لماذا؟ الجواب واضح تمام الوضوح: تركيا ليس لديها مثل هذه المشكلة على الإطلاق، إذ تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في تركيا 28 في المئة فقط، وهي واحدة من أدنى النسب في العالم بأسره. وبلغت نسبة العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي قرابة 2 في المئة، وهو أقل بكثير من معيار ماستريخت في عام الركود الاقتصادي. والأكثر من ذلك أن الاقتصاد التركي تقلص بنسبة 3 في المئة في الربع الأخير من عام 2018 نتيجة لصدمة العملة، لكن الحكومة لم تحاول زيادة مستوى إنفاقها من أجل تعزيز الاقتصاد، حيث زادت مستوى الإنفاق العام بنسبة 0.5 في المئة فقط في هذا الربع.

وفي ظل هذا المستوى المنخفض من نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، كان من الممكن أن تزيد الحكومة بسهولة من عجزها إلى حد يتوافق مع السياسة المالية الكينزية المضادة للدورة الاقتصادية ودون التضحية بانضباط الميزانية، خاصة بعد صدمة العملة لعام 2018. كانت تركيا لديها مساحة كبيرة للقيام بذلك. لكنها اختار التمسك بمستويات منخفضة للغاية من الدين العام.

نعم، إن الحكومة التركية شديدة المحافظة فيما يتعلق بانضباط الموازنة، لكن وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن "مخاوف" بشأن الإسراف المالي في تركيا. فهل هذا صحيح؟

إن الصحافة الغربية عمومًا يهيمن عليها إلى حد كبير الصحفيون المنحازون وغير الموضوعيين إلى درجة تجعلهم يعتقدون أن لديهم الحرية في صياغة كل شيء كما يحلو لهم، حتى عندما تظهر الحقائق في الاتجاه المعاكس. وبمقدورهم أن يجعلوا الأسود أبيض، والأبيض أسود وفقًا لمصلحتهم الشخصية. وموضوعيتهم المزعومة هي مجرد غطاء مناسب، لكنه شكل مطلوب "لبيع" منتجهم من الصحافة المتحيزة، والتي هي في نهاية المطاف مكان لخدمة مصالحهم الذاتية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس