فيصل اليافعي - سينديكيت بيرو (Syndication Bureau) - ترجمة وتحرير ترك برس

عاد الصراع إلى محافظة إدلب مرة أخري، ففي نهاية أبريل/ ايار شنت قوات النظام السوري سلسلة من الهجمات على أهداف في جميع أنحاء المحافظة المحاصرة، بمساعدة طائرات مقاتلة روسية. ونجم عن هذه الهجمات إصابة ومقتل المئات.

على أن هذه الهجمات ليست بالحجم الذي تم تخيله العام الماضي عندما اتفقت تركيا وروسيا على وقف التصعيد في إدلب؛ وذلك لأن هذا الهجوم له هدف سياسي وليس عسكريا، إذ بدلا  من السعي لاستعادة كامل المحافظة، يسعى النظام السوري إلى شيء أكثر محدودية لكن أكثر تحديدًا وهو استعادة السيطرة على طريقين رئيسيين مهمين.

هناك أيضًا هدف آخر وراء الكواليس: دق إسفين بين تركيا وروسيا.

بدأ الهجوم على إدلب كرد على الهجمات من داخل المحافظة على قوات النظام السوري. وكلما طال أمد هجوم النظام السوري الذي دخل الآن أسبوعه الثامن، تشككت تركيا في أن هناك شيئًا آخر يكمن وراءه. في محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوعين، اشتكى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أن النظام السوري يسعى إلى "تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب" وتقويض "روح" محادثات السلام في أستانا.

في تلك النقطة، ربما يكون أردوغان على حق، إذ  يبدو أن نطاق الهجوم يتم معايرته بدقة: إنه صغير جدًا في الواقع بحيث لا يمكنه استعادة السيطرة على المحافظة، ولكنه كبير جدًا وينتشر على نطاق واسع بحيث لا يوقف الهجمات عبر حدود إدلب. يسخدم النظام السوري مزيجا من القصف والغارات الجوية التي تستهدف المدارس والمستشفيات، الأمر الذي أجبر أكثر من 150.000 شخص على الفرار إلى مناطق أكثر أمنا في الشمال، وفقًا للأمم المتحدة. ويعاد توطين معظم هؤلاء في المناطق الخاضعة الآن للسيطرة التركية، الأمر الذي يزيد من الضغط على أنقرة. كما قصف النظام السوري مواقع مراقبة عسكرية تركية داخل إدلب، مما أسفر عن إصابة جنود أتراك.

إذا كان لدى دمشق هدف نهائي في الحسبان، فمن الأرجح أنه فرض حل على إدلب. ولن يتحقق ذلك بإعادة السيطرة على المحافظة، ولكن بإجبار أنقرة على متابعة اتفاق وقف التصعيد وتطهير المحافظة من المقاتلين المتشددين. من جانبها ترفض أنقرة هذا الحل؛ لأن إدلب ما تزال آخر معقل للمعارضة المسلحة و"للجماعات المتشددة"، وسيكون قتالها مكلفاً للغاية. ولكن قد لا يكون هناك بديل.

في مواجهة اختيار مئات الآلاف من السوريين الفارين عبر الحدود أو إرسال قوات ومقاتلين سوريين مدعومين من تركيا إلى إدلب، ربما يكون البديل الأخير أسهل بالنسبة إلى تركيا. إن إثارة الصراع في إدلب يفرض المشكلة على الإدارتين التركية والروسية  في موسكو وأنقرة، حيث يتم تجاهلها في كثير من الأحيان، لكنه يقود أيضًا إلى دق إسفين بين تركيا وروسيا، بجعل موسكة تطالب أنقرة بالوفاء بالتزاماتها في اتفاقية وقف التصعيد.

كان الهدف من اتفاق وقف التصعيد الذي تم توقيعه بين روسيا وتركيا في أيلول/ سبتمبر الماضي هو وقف الهجوم الكامل على المحافظة لإخضاعها لسيطرة نظام الأسد. كان الخوف من أن مثل هذا الهجوم الخطير من شأنه أن يعرض حياة الآلاف للخطر ويدفع مئات الآلاف إلى البحث عن ملجأ عبر الحدود في تركيا وإلى أوروبا. لكن جزءًا من تلك الصفقة شملت التزام تركيا والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا بتطهير المحافظة من الأسلحة الثقيلة، لكنهما لم يتمكنا من ذلك لأن أكبر جماعة مسلحة في إدلب، هيئة تحرير الشام، ترفض نزع سلاحها.

وباستبعاد احتمال وقوع هجوم واسع النطاق، تحولت إدلب إلى ساحة صراع، إذ تنافست الجماعات المسلحة من أجل السيطرة وهددت السكان وابتزتهم، ولكن انتباه تركيا كان مركزا على المناطق الحدودية وعلى تنظيم "ي ب ك". كان اهتمام روسيا في مكان آخر أيضًا، وعلاقتها العسكرية المتنامية مع أنقرة تعني أن الخلافات السياسية حول إدلب قد نحيت جانبا.

بالنسبة إلى دمشق، فإن الوضع الراهن لم يكن كافيًا. سيكون لاستعادة إدلب قيمة دعائية كبيرة، مما يعزز الرسالة في الداخل والخارج بأن الصراع قد انتهى. ولكن هناك أيضا سبب عملي، إذ  تريد دمشق إعادة طريقين سريعين مهمين يمران عبر إدلب، وبدونهما يتم خنق الحياة الاقتصادية في دمشق وحلب.

من خلال إعادة بدء الصراع، أو على نحو أكثر دقة ابتلاع الطعم الذي تقدمه الهجمات المسلحة، تمكن نظام الأسد من تحفيز حلفائه الروس على الانضمام. وقبل يومين فقط من بدء الهجمات في إدلب، قال بوتين إن هجوما واسع النطاق "غير مناسب". بيد أنه من الممكن أيضا أن هناك قوة داخل روسيا تنتهز الفرصة للضغط على تركيا.

لكن هذه الصراعات يمكن أن تتصاعد بسهولة، ولا سيما بعد أن قصفت هيئة تحرير الشام بلدات داخل محافظة اللاذقية، واستهدفت القاعدة الجوية الروسية في حميميم التي كان أمنها دائمًا خطًا أحمر بالنسبة لموسكو.

في مثل هذه الأجواء، ومع تعرض المدنيين للهجمات الجوية وتصميم كل طرف على الانتقام، فإن كل فعل هو تصعيد جديد. في وسط محافظة محاصرة، ومع عدم وجود مخرج لثلاثة ملايين شخص، لا يوجد شيء اسمه حرب محدودة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس