إبراهيم قاراغول - يني شفق

درع الفرات.. عملية عفرين (غصن الزيتون).. نبع السلام.. درع الربيع..

هي عمليات انتهت جميعا بالنصر. والآن سنحصد أكبر نجاح. لقد بدأ حديثا التدخل الذي سيغير المعادلة، وسيرى العالم الآن غضب تركيا وتصميمها.

ستستمر هذه الانتصارات والعمليات وعمليات "الدروع" العسكرية. سننفذها بصبر ودقة وسنتحين الوقت المناسب لإنجاز المهمة. ستستمر هذه الرحلة بخطوات أكبر رغما عن كل التهديدات ومحاولات العرقلة في الشرق والغرب والشمال والجنوب و"في الداخل".

بي كا كا، ي ب ج، داعش، حكومة اللاذقية، الولايات المتحدة، إيران، روسيا، السعودية، الإمارات...

كنا ندافع طيلة 9 سنوات

كنا ندافع طيلة 9 سنوات ونحاول حماية حدودنا وأمننا الداخلي في مواجهة بي كا كا وي ب ج وداعش وحكومة اللاذقية والولايات المتحدة وإيران وروسيا والسعودية والإمارات.. لقد حاولوا جميعا مراوغة تركيا وإيقافها عن طريق التهديد إن تطلب الأمر، فأجبروها على الدفاع.

والآن بدأ الهجوم وحان وقت أن يضع القوي قوانين اللعبة؛ إذ بدأت تركيا هجوما "شاملا" للمرة الأولى بهذا الحجم بعد 9 سنوات.

سقط جنودنا شهداء تواليا في إدلب، فاستشهد من أبناء هذا الوطن 36 شهيدا في هجوم غادر نفذته روسيا وإيران. فبدأوا استهداف تركيا بشكل مباشر وتخلوا عن طرق الاستهداف غير المباشر.

لقد غيرت تركيا كذلك نظرتها للحرب في سوريا، فغيرت "العملية" للمرة الأولى إلى "حرب". ذلك أن تصريح "سيتعرض النظام للاستهداف في كل مكان" يحمل هذا المعنى.

والآن أصبحت تركيا للمرة الأولى تستهدف حكومة الأقلية في اللاذقية بشكل مباشر وفي كل مكان. كما أنها تنفذ طرقها وتكتيكاتها الحربية الخاصة دون الالتفات لإغلاق المجال الجوي ورغم أنف روسيا وإيران والمطالبات بالدفاع القوي.

هذا هو "محور تركيا" الذي نتحدث عنه!

هذا هو "محور تركيا" و"الصعود القوي" و"التحول التاريخي" و"إعادة رسم ملامح المنطقة بنظرة تركية" الذي نتحدث عنه.

ستجد الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا ودول المنطقة نفسها مجبرة على الاعتراف بهذه القوة الجديدة، وهو ما ستقبله كذلك السعودية وإيران.

إنهم يعلمون ذلك، ولأنهم يعلمون يحاولون إيقاف تركيا؛ إذ إنهم جميعا يتصرفون بالطريقة ذاتها عند التعامل مع تركيا لأن مخطط "إيقاف تركيا" صار هدفا إقليميا وعالميا.

يتظاهر بعضهم بالصداقة وآخرون بالعداء، لكنهم جميعا يتصرفون بالطريقة ذاتها في الأوقات الحرجة.

كيف يجتمعون جميعا تحت سقف واحد ضدنا؟ كيف يحدث هذا؟ ألم تفكروا به أبدا؟

لقد قدمت الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية مخطط "ممر الإرهاب". فكيف يحدث هذا؟

تقدم كل هذه الدول الدعم لمخطط حصار تركيا في الشرق الأوسط. فكيف يحدث هذا؟

نفذت الولايات المتحدة وبعدها وروسيا تكتيك المراوغة ذاته في سوريا. فكيف يحدث هذا؟

تحارب إيران تركيا في حلب بينما تحاربنا السعودية والإمارات صراحة. والآن يفعلون الأمر ذاته في إدلب. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ ألم يكونوا معسكرين مختلفين؟

كيف يمكن أن تقف إيران والسعودية على الجبهة ذاتها في سوريا؟ وكيف اتحدت القوى عينها ضدنا في ليبيا في الوقت الذي تعادي فيه بعضها البعض؟ كيف لهذا أن يحدث؟

كل من ليس له حدود يتواجد هناك لكن "ينبغي لتركيا التراجع"، فهل هذا يعقل؟

لقد ضغطوا كثيرا على تركيا ليختبروا صبرها. راوغوها وقدموا لها وعودا لم ينفذوها ليكسبوا بعض الوقت، وقالوا "على أي حال تعتبر تركيا دولة صادقة في علاقاتها الدبلوماسية، ولهذا يمكننا إقناعها بطريقة أو بأخرى".

لقد استقرت بأراضي سوريا الولايات المتحدة وروسيا وإيران التي ليس لديها أي حدود مع سوريا.

وأما تركيا التي تربطها بسوريا حدود تمتد لمئات الكيلومترات وتواجه كل التنظيمات الإرهابية هناك ويتعرض أمنها القومي للتهديد ويقيم بها ملايين اللاجئين السوريين، فهم يريدون منه أن تبتعد عن المشهد، فهل هذا يعقل؟

لقد اتخذت تركيا قرارا بعدما حافظت على كل القنوات الدبلوماسية مفتوحة. وأدركت أن قرارها وكفاحها هو السبيل الوحيد للدفاع عن أمنها القومي والتخلص من التهديدات التي تواجهها، ولهذا تحركت في هذا الاتجاه وأطلقت عملية درع الربيع، فلم يكن أمامها أي خيار آخر.

سيهز اللاجئون أمن أوروبا

لم تعد تركيا الدرع الأمني الوحيد لأوروبا

كانت المهمة الأولى فتح الحدود أمام مئات الآلاف من اللاجئين، وهو العدد الذي سيرتفع إلى ملايين. فالآن ترى دول الاتحاد الأوروبي نفاقها الذي استمر لتسع سنوات وهو يلقى على وجوهها.

إن دول أوروبا تواجه الآن فسادها وأكاذيبها، ويمكن أن تصل قضية اللاجئين إلى أبعاد تهز أمن أوروبا، وهو ما سيحدث بالفعل..

لن يكون تركيا بعد اليوم درعا أمنيا لأوروبا بأي شكل من الأشكال، ولن تحمي حدود أوروبا التي لم تقدم أي دعم لتركيا في أي قضية أمنية واكتفت فقط بالعيش في راحة وعدم تحمل المسؤولية وترديد "الشعارات الإنسانية" وحسب.

إن قرار فتح الأبواب أمام اللاجئين يعتبر قرارا سيقلب أهم الخطط الأمنية رأسا على عقب. فليفكروا جميعا الآن فيما سيحدث. وقريبا سيهرعون كلهم لقرع باب أنقرة.

الطائرات المسيرة تغير تاريخ الحرب وتفتح أبواب المستقبل

إن تركيا تلقن العالم طريقة جديدة في تاريخ الحرب بفضل طائراتها المسيرة. فالطائرات وأنظمة الدفاع الجوي باهظة الثمن لا تفيد بشيء.

تستخدم الطائرات المسيرة للمرة الأولى بهذه الكثافة في العمليات الجوية. ففي الوقت الذي كانت تستخدم فيه في عمليات فردية لضرب أهداف محددة، فإنها اليوم تستخدم كقوة جوية ضاربة.

وهو ما فعلته تركيا وستفعل المزيد منه. لم تنقلب معادلة الحرب في سوريا فقط، بل انقلبت كل تعاليم الدفاع الجوي رأسا على عقب. فكل شيء سيعاد تعريفه من جديد، كما ستتغير مفاهيم الدفاع الجوي تماما.

تركيا تفتح الأبواب نحو المستقبل.

نخوض تدخلا على مستوى "الحرب للمرة الأولى خلال النزاع المستمر منذ 9 سنوات. فنحن نبحث عن نتائج مهمة. وذلك رغم أنف كل الدول التي تحاول طردنا من سوريا وشرق المتوسط وعموم المتوسط و"جبهة الاحتلال الداخلية" المتعاونة مع تلك الدول!

انتباه! هل نحن أمام تجربة سيناريو جديد في مواجهة تركيا؟

أشعر بقلق شديد، فهذا هاجس خطير للغاية بالنسبة لتركيا. ربما تغضبون وتهاجمونني، لكني سأواصل الكتابة...

هل جربوا سيناريو جديدا بإسقاط شهدائنا تواليا في إدلب وسقوط 34 شهيدا مؤخرا، والرسائل التي يطلقها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو عندما قال "استعدوا، نحن في طريقنا للسلطة"، وتصريحات الدعم المخادعة القادمة من أمريكا وأوروبا، وإعادة تلميع أحداث غيزي بارك، و"افتخار" رئيس تركيا السابق عبد الله غول بأحداث غيزي بارك، وحالة الذعر التي أصابت كيليتشدار أوغلو ما إن بدأت عملية درع الربيع، و"استعداد الرأي العالم" في تركيا منذ أيام لاستقبال أحداث محتملة، وتكثيف الإعلام المعارض هجماته المنسقة، ومحاولات التهييج باستغلال أخبار سقوط الشهداء...

هل ستسقط دمشق بينما يظنون أنهم سيسقطون أردوغان وتركيا؟

هل خططوا لإسقاط أردوغان والانسحاب من سوريا من خلال إشعال فتيل القتال بين تركيا وروسيا وتهيئة الظروف لطلب المساعدة من الغرب؟

لقد جربوا السيناريو نفسه قبل 15 تموز، وعندما فشلوا في فعل ما أرادوا في تلك الليلة بدأوا الحصار والهجوم من ناحية الأراضي السورية. ولهذا فقد ضربت كل التدخلات التي نفذتها تركيا منذ عملية درع الفرات هذا السيناريو بقدر ما ضربت مخططات الإرهاب.

إذن فإن عملية درع الربيع لا توجه ضربة قاصمة لنظام الأسد وحسب، بل كذلك لمن هم "في الداخل". وهو ما يعني أن ذعرهم وهلعهم سيكبر بمرور الوقت.

إنهم يسقطون نظام دمشق في الوقت الذي ظنوا فيه أنهم سيسقطون أردوغان وتركيا. والآن لا بد وأنهم في صدمة كبرى.

ينبغي لكل محب لهذا الوطن أن يحمي أردوغان!

لم تكتف طائرات تركيا المسيرة بتعليم تاريخ الحروب طريقة جديدة وحسب أو توجيه ضربة قاضية لحكومة اللاذقية فقط، بل غيرت المعادلة تماما وأفشلت السيناريو الدولي. كما أنها أصابت من كانوا يتحينون الفرص "في الداخل" بخيبة أمل كبيرة، وغيرت المعادلة على المستويين الداخلي والإقليمي.

ينبغي لكل محب لهذا الوطن أن يحمي أردوغان بغض النظر عما إذا كان يحبه أو لا يحبه، وبغض النظر عن هويته السياسية أو العرقية!

إنها ليست قضية سوريا، بل قضية تركيا.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس