ترك برس

لفتت أنظمة الطائرات من دون طيار (الدرونز) التركية المصنّعة محليًا الأنظار بقدراتها في سوريا بالأسابيع الماضية. وعكست قصة نجاحها انتقال تركيا من مرحلة إلى أخرى وصولًا إلى هذا اليوم. وفيما يلي سنتناول معالم هذه القصة التي بدأت في عام 1990 من خلال تقرير أعدّه الصحفي في قناة "TRT haber" سرتاتش أكسان.

قدّمت القوات التركية في عملية "درع الربيع" بإدلب شمال سوريا أداءً فريدًا، إذ تمكنت من ضرب الأهداف بدقة فائقة، وشُبّه أداؤها في المناطق السكنية بأداء الجراح عند قيامه بعملية جراحية مجهرية، فكانت الطائرات من دون طيار المسلحة تدمر أهداف نظام الأسد واحدًا تلو الآخر.

ماذا كسبت تركيا من هذه القدرة والإمكانية؟ وما الذي حدث في هذه العملية؟ وإلى أي الدول باعت تركيا طائراتها المسيّرة في السابق وهل تعطلت؟ وأي دول نقلت مشاهد عمليات القوات التركية خلال الساعات الثمانية الماضية؟ ستنتاول فيما يلي كيف أصبحت الطائرات بدون طيار واحدة من أهم قصص نجاح لتركيا في السنوات الأخيرة.

ما هي الدرونز؟ وما فائدتها؟

تقوم هذه الطائرات بمهام متنوعة وفقًا لأوزانها، ومحركاتها، وأنواع أجنحتها، ونطاقاتها. وتصنّف الدرونز وفقا لهذه المحددات، ويتبين منها قدرتها على أداء مهام الاستطلاع، أو المراقبة، أو النقل، أو العمليات البحرية، أو البحث والإنقاذ. وأهم ميزاتها توفير دعم جوي آمن عند الهجوم، وتحديد العلامات المستهدفة، وتدمير أنظمة الدفاع الجوي والدفاع عن المجال الجوي.

ويتوقع أن تزيد نسبة مشاركتها في العمليات العسكرية قريبًا، بالنظر إلى انخفاض كلفتها وزيادة فعاليتها بالمقارنة بالطائرات التقليدية، خاصة بعد تفوق تركيا في تصنيع واستخدام هذا النوع من التكنولوجيا مقارنة بالدول الأخرى.

دخول الدرونز إلى تركيا لأول مرة في عام 1993 

وقعت في بداية عام 1990 أحداث إرهابية في تركيا، برزت خلالها الحاجة لوجود مثل هذا النوع من الطائرات، لكن عددها في ذلك الحين كان قليلًا على مستوى العالم، ولم يكن فهم هذه التكنولوجيا متطورًا بعد، بالتوازي مع التطورات الكبيرة في العالم في أواخر الثمانينيات. ولكن في حينها بدأ إجراء دراسات حول تطوير أنظمة الطائرات بدون طيار في تركيا.

أنتجت شركة "ميجيت" (Meggitt) البريطانية نظام "Banshee" كأول طائرة بدون طيار، واستخدمتها القوات التركية في عام 1989. وفي عام 1993، بدأت ألمانيا بإنتاج 5 طائرات بدون طيار من طراز "CL_89" لشركة "Canadair"، بدأ بالتحليق عام 1994، لكنها استغني عنها بعد مدة قصيرة بسبب مشاكل لوجستية وحوادث.

أنتجت أمريكا الدرونز لأول مرة عام 1989، من قبل شركة "General Atomics"، ولاحظت تركيا ميزة هذه التكنولوجيا وقررت استيرادها. وفي عام 1993 تلقت تركيا أول طائرة من نوع "GNAT 750s" التي استخدمتها لسنوات عديدة، وهي أول طائرة بدون طيار في القوات المسلحة التركية.

وبالتزامن مع شراء طائرات "GNATs"، بدأت تركيا خطوات لتطوير هذه التكنولوجيا بموارد محلية. وفي هذا الإطار، طورت شركة صناعات الفضاء والطيران التركية (TAI) في عام 1992 طائرة "IHA_X1"، وأنتجت منها طائرتين، لكنها لم تواصل إنتاجها.

وفي عام 1996 طائرة "Turna_keklik"، وفي عام 2003 طائرة "Pelikan _ Martı"، وفي عام 2007 طائرة "Gözcü"، وفي عام 2008 طائرة "Öncü"، وفي عام 2012 طائرة "Şimşek". وأخيرًا طائرة "أنكا" (العنقاء)، كما بدأت في عام 2012 دراسات لصناعة الدرون الدوّار.

عمل القطاع العام إلى جانب شركات في القطاع الخاص بتركيا على اكتساب هذه التكنولوجيا وتطويرها. وكانت إحدى هذه الشركات "بايكار" (Baykar savunma) التي أثبتت تقدمها في هذا القطاع إلى يومنا هذا.

بدأ مشروع "بايكار" في عام 2000 بولاية شرناق جنوب شرقي تركيا على يد "أوزدمير بايراكتار" وأبنائه هالوك وسلجوق بايراكتار في أثناء زيارة لهم إلى لواء الأمن الداخلي السادس في الولاية. حينها عرض الضابط مليح كولوفا، أحد قادة اللواء، على أوزدمير بايراكتار، قصص سقوط قتلى من الجيش التركي ثم قال له: "أعمل على إيجاد حل تكنولوجي لمواجهة الإرهاب". وبعد الزيارة أنشأ بايراكتار ورشة عمل بالقرب من اللواء على مشارف جبل "غابار" (Gabar).

عمل المهندسون تحت إشراف أوزدمير وسلجوق بايراكتار مدة ثلاث سنوات في ورشة جبل غابار، بهدف تطوير تكنولوجيا دفاعية تسد حاجة الجيش التركي وتحويلها إلى منتج. أما الضابط مليح كولوفا، فاستشهد في عام 2007 بولاية شرناق بقنبلة انفجرت عن بعد من قبل إرهابيين.

ولدى سؤال أوزدمير عن الإنجازات التي حققتها الشركة حتى اليوم، قال: "لقد كان نجاح عملنا في الواقع نتاجًا لعملهم (في تلك الورشة)، فقد أكملنا وصية قائدنا" في إشارة إلى الضابط مليح كولوفا. وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر 2004، وقعت ورشة بايراكتار اتفاقية مع رئاسة الصناعات الدفاعية والشركة التركية لصناعات الطيران والفضاء (TAI) لصناعة طائرة "أنكا" (العنقاء ANKA).

سعت تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي إلى امتلاك تكنولوجيا الدرونز. وأبرمت في عام 2005 اتفاقيات مع الكيان الصهيوني لاستئجار طائرة  من طراز "Heron" مقابل 4 ملايين دولار. أعادت تركيا الطائرة بعد ثلاثة أعوام. وفي عام 2007، اشترت تركيا طائرة من دون طيار من شركة "Aero Star" الإسرائيلية بتكلفة قدرها 15 مليون دولار، وكان يفترض أن ترتفع هذه الطائرة 18 ألف قدم لمدة تتراوح بين 6 و8 ساعات. لكن هذه الطائرات كلها سقطت لعدم كفاءتها.

لاحقًا سعت تركيا لشراء 10 طائرات "Heron" من إسرائيل بقيمة 188 مليون دولار بمواصفات مقبولة، لكن إسرائيل خفضت الارتفاع الأقصى للطائرات من 30 ألف قدم إلى 24 ألف قدم وقللت من مدة بقائها في الجو، وأخرت تسليمها ثلاثة أعوام أخرى. ورغم كل ذلك  لم تكن الطائرات ذات كفاءة وكانت تتعطل وتفشل في أثناء الهبوط والإقلاع، وكانت تابعة لإسرائيل بكل شيء وترسل إليها الصور و أهداف تنظيم "بي كي كي" الإرهابي الذي كانت تستهدفه تركيا.

استلمت القوات المسلحة التركية أول طائرة بدون طيار محلية الصنع من شركة "بايكار" في وقتها المحدد عام 2007، التي أجرت عشرات الآلاف من ساعات الاختبارات للدرونز محلية الصنع. وفي نوفمبر 2006، طلب لواء المشاة الميكانيكي السادس بولاية شرناق من "بايكار" تطوير نظام درونز لاستخدامه في عمليات مكافحة الإرهاب. وفي أيار/ مايو 2009، استلمت قيادة القوات الجوية التركية من الشركة درونز من طراز "ملاذكرد" صغيرة الحجم الأولى من نوعها في العالم.

في عام 2012، أجرت "بايكار" اختبارات على طائرة "أنكا". ووقعت رئاسة الصناعات الدفاعية عقدًا مع الشركة لاستلام 10 طائرات من طراز "أنكا أس" (ANKA_S) في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، لتستلمها بناء على هذه الصفقة القوات الجوية التركية لأول مرة.

في عام 2007، شكلت رئاسة الصناعات الدفاعية التركية ائتلافًا للشركات، انضمت له "بايكار" أيضًا، بهدف تطوير درونز قادر على حمل حمولة بوزن 35 كيلوغرامًا، والبقاء في الجو 10 ساعات على ارتفاع 18 ألف قدم، والوصول إلى مدى 150 كيلومترًا. ونجحت الرحلة الأولى للنموذج الأولي من طائرة "بايراكتار" في 8 حزيران بمطار "كاشان" في ولاية أدرنة شمال غربي تركيا. وصُدّرت إلى قطر في بداية عام 2012.

في 29 نيسان/ أبريل 2014، كانت الرحلة الأولى لطائرة "بايراكتار TB2"، التي تميزت بالقدرة على البقاء بالجو 10 ساعات، والطيران على ارتفاع 18 ألف قدم. واختبرت في مطار أدرنة العسكري، وحققت خلال التجارب الأولى 24 ساعة و34 دقيقة بقاء في الجو، وسجلت ارتفاع بقدر 27 ألف قدم. كما سجلت "بايراكتار "TB2 رقمها القياسي للطائرة المحمولة جوا ببقاء 27 ساعة و3 دقائق في الجو في دولة الكويت تحت ظروف صحراوية قاسية في تموز/ يوليو 2019.

سلّمت شركة "بايكار" 104 طائرات بدون طيار من طراز "بايراكتار TB2" لأول مرة إلى القوات المسلحة التركي في عام 2015، ولا تزال تعمل حتى اليوم. وتمكنت "بايراكتار TB2" في عمليات القوات المسلحة التركية من إكمال 175 ألف ساعة عمل بحلول شهر شباط/ فبراير 2020، محققة نجاحًا باهرًا، ووصلت صادراتها إلى أوكرانيا وقطر في عام 2019، وكانت السلاح التركي الأول من حيث التصدير.

شاركت "بايراكتار TB2" أيضا بعدة عمليات لمكافحة الإرهاب، منها درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام، ولا تزال تواصل مهامها الاستراتيجية في شرق البحر المتوسط وفي عملية درع الربيع.

عملت شركات أخرى في تركيا على تحسين مجال الطائرات من دون طيار. فقد أنتج قسم الصناعات الدفاعية في شركة "فيستل" نموذجه الأولي من طائرة "Efe Mini" من دون طيار في عام 2005، لكنها لم تنتج كميات كبيرة منه. وفي عام 2007، بدأت بتطوير درون "Karayel" الذي خضع لأول تجارب اختبار في عام 2009، وقررت إنتاجه على نطاق واسع في عام 2010. نجح مشروع الطائرة "Karayel" وحلقت في سماء تركيا عام 2014، وشاركت في أول عملية عسكرية لها في عام 2016.

وحتى اليوم، أجرت طائرة "Karayel" عشرة آلاف ساعة طيران اعتبارا من العام الماضي في خدمة القوات المسلحة التركية، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة التجريبية للرحلات بعد تطويرها من قبل قسم الصناعات الدفاعية في شركة "فيستل" التركية.

بعد نجاح طائرة "أنكا إي" (ANKA_A)، أجريت أول رحلة تجريبية لطائرة "أنكا بي" (ANKA_B) المصممة لنقل معدات مهمة جديدة مثل الرادارات بأداء فائق، في 30 كانون الثاني/ يناير 2015. كما صممت الطائرة "أنكا أس" (ANKA_S)، وكانت رحلتها الأولى في أيلول/ سبتمبر 2016 بعد شهر من نجاح تجارب طائرة "أنكا بي".

دخلت طائرة "أنكا بي" إلى أسطول القيادة العامة لقوات الدرك التركية في آذار/ مارس 2017، واستخدمت ميدانيا في نيسان/ أبريل من نفس العام مع نظام "MAM_L". ونالت طائرة "أنكا إس" في تموز/ يوليو من ذلك العام لقب أول طائرة بدون طيار تركية يتم التحكم بها من خلال الأقمار الصناعية، وبالتحديد قمر "توركسات 4B".

سُلّمت أول دفعة من طائرات "أنكا إس" للقوات المسلحة التركية بعد اختبارها في 1 شباط/ فبراير 2018. وشكّلت هذه الطائرة ثورة في قطاع الطيران والفضاء، وعززت أيضا المنظومة الصناعية لهذه الطائرات، إضافة إلى نظمها الفرعية المتطورة كأجهزة الكمبيوتر والمحركات وأنظمة تسجيل البيانات ومعالجتها.

استخدمت طائرة "أنكا إس" بشكل فعال في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي عمليات الأمن الداخلي، وكذلك في منطقة البحر الأسود، وفي بحر إيجة، وفي سوريا، والعراق، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وليبيا، وكانت عيون وآذان تركيا في كل مكان. فقد دمرت الأهداف بنجاح ودقة كلما دعت الحاجة لاستخدامها.

واصلت شركة "بايكار" أداء مهامها بنجاح في هذا المجال، وطوّرت مشاريع أخرى لبناء أنواع أخرى من الدرونز محلية الصنع، حجزت لتركيا مكانةً مهمة في قطاع الطائرات من دون طيار عالميًا، خاصة من خلال أدائها في الأشهر الأخيرة. وفي 20 آذار/ مارس 2019، كانت أول رحلة لطائرات "أنكا أقسونغور" (ANKA _ Aksungur) الذي تبلغ حمولته 700 كيلوغرام، ووصل إلى ارتفاع 40 ألف قدم. ويتوقع كبار مسؤولي القطاع والخبراء أن يحقق هذا الطراز من الدرونز قفزة مهمة للقدرات الجوية للقوات المسلحة التركية.

أثار تطور آخر إعجاب الجميع في هذا القطاع، وهو اختبار طائرة "بايراكتار أقنجي الهجومية" (Akıncı Taarruzi) الهجومية في أواخر عام 2019. الذي وضع تركيا بين ثلاث دول في العالم تصنع هذه الفئة من الطائرات بدون طيار، وتتميز بقدرة على حمل ألف و350 كيلوغرامً، ويبلغ وزنها عند الإقلاع 5.5 طنًا. وهي مزودة بذخائر متطورة مثل الصواريخ الموجهة، وصواريخ كروز من طراز (SOM) محلية الصنع.

يمكن التحكم بهذه الطائرة المتطورة من أي مكان من خلال تقنية فائقة، وتتميز بتجهيز حواسيبها بأنظمة ذكاء اصطناعي متطورة. وقد عملت شركة "بايركتار" أيضًا على تخفيف حمولة طائرات "أقينجي" من خلال استخدام الذخائر الجوية المتطورة "غوكدوغان" (Gökdoğan) و"بوزدوغان" (Bozdoğan)، التي طورتها مؤسسة "سيج" (SAGE) التابعة للمجلس التركي للبحوث العلمية والتكنولوجية "توبيتاك" (TÜBITAK).

وبالإضافة إلى كل ما سبق، تعمل شركة "بايكار" على تطوير نظام (MIUS) لمواجهة الطائرات بدون طيار العدوة.

هكذا حقق القطاع الخاص التركي تقدمًا باهرًا على منافسيه حول العالم في هذه التكنولوجيا الفائقة. وأخيرًا نذكر أن نظام "درون سونغار المسلح" (Songar Silahlı Drone) للتحكم بالطائرات من دون طيار الذي أطلقته شركة "أسيسغارد" (Asisguard) التركية، قدم حلولًا فريدة من نوعها عند إطلاقه. لكن نظام "سالغور" (SALGUR) الذي أطلقته الشركة نفسها تميز كذلك وجذب الأنظار بقدرته على التحكم التي تصل إلى 6 طائرات من دون طيار في آن معًا، ونقل صور حية وتحديد مسار الطائرات، بالإضافة إلى القدرة على التعرف على الوجوه وقراءة النصوص وتحديد الأجسام والمركبات.

كما تستخدم القوات المسلحة التركية طائرات "أوتونوم الدوارة المجنحة" (Otonom Döner Kanatlı Vurucu)، وطائرات "ألباغو" (ALPAGU)، وطائرات "ألتيناي دوغان" (Altınay Doğan) في عمليات مكافحة الإرهاب، وطائرات "الباتروس" (ALBATROS Kargo) في شحن البضائع.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!