ترك برس

أعلنت تركيا وبريطانيا، أمس الثلاثاء، توقيع اتفاقية التجارة الحرة، وهو أول اتفاقية تبرمها لندن مع دولة أخرى، عقب حسم وضعها مع الاتحاد الأوروبي.

الاتفاقية التي كانت في حالة انتظار لما ستسفر عنه المفاوضات بين البريطانيين والأوروبيين، ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني القادم، بعد أن ظلّت حبيسة مكاتب حكومتي البلدين، لأنه كان من غير الممكن عقده دون حسم وضع بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، ونظراً للاتفاقية التجارية التي تجمع تركيا وأوروبا.

وعقب الإعلان عن توقيع الاتفاقية، سادت حالة من الارتياح في صفوف رجال الأعمال الأتراك وكذلك البريطانيين، لما سيمنحه من حرية لنقل البضائع والمنتجات دون فرض أي رسوم بين الطرفين.

وزيرة التجارة الخارجية البريطانية ليز تروس، أكدت أن إتمام هذا الاتفاق، يعتبر كفيلاً بمنح الأمان للآلاف من فرص العمل في بريطانيا وكذلك في تركيا، على اعتبار أن الأخيرة هي سابع شريك تجاري للمملكة المتحدة.

وتقدم الحكومة البريطانية نجاحها في إبرام اتفاقيات التبادل الحر مع دول مهمة مثل اليابان ومؤخرا تركيا على أنه من فوائد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وتبلغ قيمة الاتفاق التجاري بين البلدين 18.6 مليار جنيه إسترليني، ويركز بشكل كبير على 3 قطاعات أساسية هي الصناعات التحويلية وصناعة السيارات والصناعات المرتبطة بالحديد، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت."

وتعتبر المملكة المتحدة ثاني شريك تجاري أوروبي لتركيا بعد ألمانيا، ولهذا السبب تنفس رجال الأعمال الأتراك والبريطانيون الصعداء بعد خبر التوصل إلى اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لما كان سيسببه عدم الاتفاق من عرقلة حركة البضائع بين البلدين وارتفاع الرسوم الجمركية.

وتستقبل تركيا 7.8 مليارات جنيه إسترليني من المنتجات البريطانية، خصوصا في المجال التكنولوجي والسيارات وقطاع المال والطاقة والاتصالات، وهي القطاعات التي من المتوقع أن تتمكن بريطانيا من الاستثمار فيها، بالنظر للنمو الذي يشهده السوق التركي وحجم الطلب على الخدمات المالية والتكنولوجية مقارنة بالكثير من الأسواق الأوروبية التي تقترب من مرحلة الإشباع أو تتجه لها.

وتصنع تركيا واحدة من أصل كل 5 عربات كبيرة تباع في السوق البريطاني، في حين تستحوذ على ثلث صادرات بريطانيا من السيارات.

وبقراءة الكثير من التحليلات الاقتصادية البريطانية فإن المملكة المتحدة تنظر إلى تركيا على أنها ستكون منصة جيدة للانطلاق نحو آسيا والشرق الأوسط، إضافة إلى ضخامة سوقها والتسهيلات التي تقدمها للاستثمار.

ويقع الرهان على الاتفاق من أجل رفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين والقفز فوق حاجز 20 مليار جنيه إسترليني، على أن تتم مضاعفة الرقم خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتصف صحيفة "فايننشال تايمز" الاتفاق بأنه يحقق منطق "رابح – رابح"، مؤكدة أنه ولسنوات اتسم تعامل بريطانيا مع تركيا بالبراغماتية عكس التشدد الذي تتعامل به بعض الدول الأوروبية مع أنقرة.

يظهر من الحفاوة التي تعاملت بها كل من تركيا وبريطانيا مع اتفاق التبادل الحر أنه لا يحقق أغراضا اقتصادية وحسب، وإنما له رسائل سياسية لجهة بعينها هي الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من التحذيرات الاقتصادية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أن الناتج الداخلي الخام لبلاده سيتراجع خلال العام المقبل بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي فإنه رد أن الأهم هو تحرر بلاده للقيام بما تريد، وأول ما قامت به هو إتمام الاتفاق التجاري مع تركيا التي تعيش أزمة سياسية مع الاتحاد الأوروبي.

وحافظت بريطانيا منذ سنوات على مسافة من سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع تركيا، بل على العكس عززت علاقاتها معها، وكان من النادر أن تساهم لندن في أي قرارات أو بيانات ضد تركيا.

وتتحرك بريطانيا بمنطق واحد هو إثبات استعادة السيادة على قرارها السياسي والاقتصادي بدخولها في مفاوضات تجارية مع العديد من الدول، وبدأت في تأمين الأهم بالنسبة لها كاليابان وتركيا في انتظار الاتفاق الضخم مع الولايات المتحدة.

وقاومت لندن الكثير من الضغوط الأوروبية الخصوص من أجل التعبير عن الامتعاض من السياسة الخارجية التركية عبر مراكز الأبحاث، إلا أن الحكومة البريطانية نأت بنفسها عن هذا الصراع وحافظت على خيوط الود مع أنقرة.

من جهتها، تعتبر تركيا هذا الاتفاق انتصارا دبلوماسيا في سياق معركة كسر العظم مع الأوروبيين، ذلك أن التوصل إلى صفقة تبادل حر مع دولة من حجم بريطانيا سيؤدي إلى مزيد من الإضعاف للموقف الأوروبي في التعامل مع تركيا.

ويعمل الطرفان على تحصين هذا التعاون بالانطلاق نحو مجالات أخرى أكثر حساسية، خصوصا في القطاع العسكري، حيث عقدت تركيا وبريطانيا قبل 3 سنوات صفقة دفاع بقيمة 120 مليون دولار، للمساهمة في برنامج تطوير طائرات حربية تركية، وتم عقد الاتفاق بين شركتي "بي إيه إي سيستمز" و"توركيش آيروسبيس إندستريس."

وتعول بريطانيا على هذه الصفقة من أجل الترويج لصناعتها الدفاعية، كما تتوقع تركيا أن تطور قدرة سلاح الجو، في إطار سعي الجيش التركي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في تصنيع المعدات الحربية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!