علي محمدوف - خاص ترك برس

كانت حلقة هذا الأسبوع في برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة العالمية، من الحلقات التي سيذكرها السوريون طويلا، وربما كل العرب، وصداها سيرتد أكثر بعد أن يتلاشى مشروع الانفصاليين العنصري، الذي ناقشت الحلقة حقيقته وإن كان بمسميات أخرى.

خلال السنوات الأخيرة، ملأت وسائل التواصل الاجتماعي الدنيا وشغلت الناس، ولم يعد هناك هذا الزخم الكبير للبرامج الحوارية أو البرامج التي يطلق عليها صراع الديكة، وانتشرت المعلومات السطحية الموجهة، والتي غالبا لا تستند لأي مرجعية دقيقة، ولكن هذا الأسبوع كان الوضع مختلفًا، حيث استطاع أحد ضيوف حلقة الاتجاه المعاكس الذي يقدمه الإعلامي فيصل القاسم، نسف تضليل إعلامي استمر لسنوات وخلال فترة زمنية لم تتجاوز خمسين دقيقة.

كشف الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري مهند الكاطع خلال مداخلات متقطعة في حلقة الاتجاه المعاكس عن جزء من حقيقة ما يتعرض له سكان شمال شرق سوريا، ولا سيما العرب على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية شبه مطلقة تتجاوز خمسة وثمانين بالمئة في تلك البقعة الجغرافية الغنية بالثروات تحت الأرض وفوقها، وتمكن الكاطع من إسقاط وبالضربة القاضية، ليس فقط الضيف الآخر كيدار بيري، وإنما وجه ضربة كذلك لمشروع عنصري استيطاني يستهدف هوية الجمهورية العربية السورية وتاريخها وشعبها وحاضرها ومستقبلها وماضيها، يقوده حزب العمال الكردستاني الذي يصنف كمنظمة إرهابية عالميًا، تحت غطاء ما يسمى قسد أو قوات سوريا الديمقراطية.

اللكمة الأولى التي وجهها الباحث السوري عندما تحدث عن حقيقة الاسم الغطاء "قسد"، وأورد شهادة من اعلى الشخصيات العسكرية الأميركية: "كشف الجنرال ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة في الجيش الأميركي عام 2017، خلال جلسة حوارية على هامش مؤتمر "إسبين" الأمني في ولاية كولورادو، أن إطلاق تسمية "قوات سوريا الديمقراطية" كان بناء على طلب أميركي من أجل التغطية على اسم تنظيم "YPG" وارتباطه بحزب العمال الكردستاني (PKK)" والهدف بالطبع التغطية على الماضي الإجرامي والإرهابي لتلك المنظمات.

اللكمة التي لا تقل قوة عن الأولى، عندما بدأ الكاطع بسرد لانتهاكات وجرائم الحرب والتطهير العرقي ضد العرب، وثّقتها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات العالمية، وأحد هذه التقارير يحمل عنوان "سوريا: تدمير القرى على أيدي حلفاء الولايات المتحدة يُعد بمثابة جرائم حرب"، ويمكن لأي شخص الوصول إليه وبعدة لغات عبر محرك البحث غوغل، ليرى جرائم يندى لها الجبين من حرق وتدمير وإزالة عشرات القرى العربية من على وجه الأرض، وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد صدر اليوم إن بعثة المنظمة لتقصي الحقائق في شمال سوريا قد كشفت النقاب عن موجة من عمليات التهجير القسري وتدمير المنازل تُعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الإدارة الذاتية بقيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي" الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على المنطقة.

لم يكن الضيف الآخر كيدار بيري ضعيفًا، مثل ما اعتقد البعض، وإنما كانت المرة الأولى التي يواجه فيها على الشاشات ضيفًا من أبناء المنطقة، ناهيك عن أن هذا الضيف مهند الكاطع متخصص وأكاديمي في هذه القضية تحديدا ولديه أبحاث وكتاب حول تاريخ المنطقة وديمغرافيتها تحت عنوان "أكراد سوريا: التاريخ-الديمغرافيا-السياسة"، والشق الأهم في هذا المقال والحلقة هو التضليل الإعلامي المستمر منذ سنوات، حيث اعتاد ضيف الاتجاه المعاكس هذا، على وسائل إعلام العرب أن يكون الضيف المقابل له إما تركيًا لا يجيد اللغة العربية، حيث يظهر للمشاهد أن الخلاف بين تركيا و"مناطق كردية" ويجب وضع أكثر من خط تحت "مناطق كردية"، وسأعود إليها في نهاية المقال، أو يكون الضيف المقابل مواطنًا تركيًا أصوله من إحدى الدول العربية والذين لا يعنيهم كثيرًا ما يتعرض له العرب في تلك المنطقة السورية التي تحتلها ميليشات حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية، وجل مشاركتهم تكون أداء عمل ومجاملات.

واجه ضيف الاتجاه المعاكس مأزقًا، ولم يعد إلى توزانه، حتى وجد الفرصة ليمجد بالإرهابي القابع في السجون التركية عبدالله أوجلان بجرائم تتعلق بالإرهاب والجريمة المنظمة وقضايا أخرى كثيرة، والغريب أنه مجّد وأشاد من باريس العاصمة الأوروبية المعروفة، وعلى الهواء مباشرة بشخص تصنف منظمته بأنها إرهابية في فرنسا نفسها!!، وهل يا ترى تسمح فرنسا بتمجيد زعماء إرهابيين آخرين؟ أم  أن لديهم إرهاب جيد وإرهاب سيء؟

قد تكون حلقة الاتجاه المعاكس هذه من أنجح الحلقات على الإطلاق، واختيار ضيوف الحلقة كان موفقًا، وقد تكون الدقائق التي أثار فيها الكاطع مسألة إطلاق تسميات غير عربية على هذا الجزء من الأراضي السورية، وتساءل: "أين تقع تلك المنطقة التي يسمونها كردية؟ في ديرالزور؟ التي لا يوجد أي كردي فيها، أم في الرقة؟ التي لا تتجاوز نسبة الأكراد فيها أربعة بالمئة، أم ربما في الحسكة؟ والتي تواجد الأكراد فيها ضمن قرى وبلدات حدودية متناثرة وبعمق كيلومترات محددة عن الحدود التركية".

الحقيقة التي لا بد أن يعرفها الجميع، أن احتلال ميليشيات حزب العمال الكردستاني الإرهابي لهذه المنطقة أو غيرها، لا يعني أنها اصبحت "كردية"، مهما غيروا من أسماء، وتغطوا بها، ويبدو أن قسد لن تكون آخر أسمائهم.

في النهاية، لا يمكن تجاهل أن فيصل القاسم كان هذه المرة أشبه بشرطي المرور، وعلى غير عادته وأسلوب برنامجه، ومع ذلك لم يسلم من اتهام كيدار بيري له بالانحياز، فالحياد لا يرضي كيدار، حيث اعتاد على التضليل والتزييف بلا حدود، وفعل ذلك على الهواء مباشرة عندما كذب وبشكل علني، وادعى أن تقرير منظمة العفو الدولية الميداني الذي يتحدث عن جرائم الحرب التي ارتكبها الامتداد السوري للعمال الكردستاني ضد العرب شمال سوريا، تم حذفه ليتضح لاحقا أنه ما زال على كل المواقع الرسمية لمنظمة الأمنستي وبلغات متعددة، كما اعتاد كيدار أيضا على مواجهة ضيف آخر غالبا ما يكون تركيًا لا يجيد اللغة العربية، أو تركي من أصول غير سورية وهذا الملف الانفصالي الاستيطاني ليس من أولوياته أو أيديالوجيته.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس