ترك برس
يتناول فيلم وثائقي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية "الكوشان العثماني" أو وثيقة ملكية الأرض والذي يشكل الورقة الذهبية في أيدي المواطنين الفلسطينيين ضد الاحتلال.
ويحافظ "الكوشان العثماني" على حقهم في أرضهم أمام بطش الآلة العسكرية الصهيونية وعجرفة وهمجية الغزاة المستوطنين الساعين إلى التهام القرى الفلسطينية. وفق الجزيرة.
**حي الشيخ جراح.. سرقة الأراضي تحت جنح الظلام
في عام 2008 صادر الاحتلال الإسرائيلي منزل فوزية الكرد في جنح الظلام، وطردها الجنود الصهاينة هي وزوجها المقعد محمد إلى قارعة الطريق، ليحتل منزلها مستوطنون يهود، وليموت زوجها بعد 11 يوما من طردهما إثر جلطة قلبية.
توجهت فوزية إلى المحاكم الإسرائيلية لاستعادة منزلها، ومنذ ذلك الحين وهي تشق طريقها بين القدس الشرقية والغربية لاستكمال معركتها القضائية، بمساندة فريق من المحامين الفلسطينيين يرأسهم المحامي سامي إرشيد، حيث يقول: الكواشين العثمانية مهمة جدا، لأن السلطات الإسرائيلية تدعي أن جمعيتين يهوديتين قامتا بشراء هذه الأرض منذ 1892.
ويتابع: لذلك كان من المهم الحصول على هذه الكواشين والتأكد من كذب مزاعم اليهود، وبعد أن وصلنا إلى أرشيف (الطابو) العثماني في كل من أنقرة وإسطنبول، تبين أن هذه السجلات تحمل أراضي أخرى وصفقات عقار أخرى لا تمت بأي صلة لجمعيات يهودية أو لأراض في "حي الشيخ جرّاح".
**تلكؤ المحاكم.. محاولات إماتة القضية
تشكو فوزية الكرد قائلة: المحاكم الإسرائيلية في كل مرة تسعى للتلكؤ والمماطلة لكسب الوقت وإماتة القضية، وتتذرع بطلب وثائق جديدة وشهادات جديدة، حتى يملّ صاحب الأرض العربي والمحامي، ولكننا لن نستسلم، فالأرض أرضنا والبيت بيتنا.
بالاستعانة بالوثائق العثمانية تمكن المحامي سامي إرشيد وزملاؤه من إثبات أن الأرض التي بني عليها بيت فوزية الكرد لا تملكها جمعية يهودية، وإنما كانت مؤجرة لهم قبل أكثر من 100 عام، وعلى أثر ذلك طعن محامو فوزية في قرار المصادرة.
يقول إرشيد: في جلسة اليوم استمعت القاضية لشهادات، وما زالت هنالك شهادتان مؤجلتان، إحداهما لشخص من طرف المستوطنين يدّعي أنه خبير في المساحة والتاريخ والوثائق العثمانية، وجلسة أخرى لسماع الشهود الآخرين.
**سياسة السطو على المنازل.. ألاعيب المحتل
يقول المحامي سامي إرشيد عن تاريخ حي الشيخ جراح: الأراضي التي بني عليها الحي المكون من 28 وحدة سكنية هي أراض عربية، ولا شك أن من قام بإنشاء هذه الوحدات السكنية هي وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، في نهاية أربعينيات وبداية خمسينيات القرن العشرين، وذلك بالتعاون مع "الأونروا" لإسكان مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من أراضيهم بعد أن احتلها الصهاينة عام 1948.
وتعرِّف فوزية عن نفسها قائلة: ولدتُ في القدس القديمة عام 1952، وتزوجت عام 1970 في منزل عائلة زوجي في حي الشيخ جراح الذي حصلوا عليه من "الأونروا" بالتعاون مع السلطات الأردنية. أقضي بعض وقتي مع والدتي المسنّة التي تسكن في البلدة القديمة، وأتردد على مكتب المحاماة بشكل مستمر لمتابعة قضية بيتي، حياتي موزعة بين هم أمي وهم ابني وهم بيتي، لا وقت لدي للسعادة والاستمتاع.
اليوم يعيش المستوطنون في منزل فوزية، ذلك المنزل الذي ترعرت فيه وربّت فيه أولادها الثلاثة وزوّجتْهم، وهي اليوم تزور بيتها المحتل بين الفينة والأخرى لتتفقده، ثم تزور جارتها خديجة الصبّاغ التي تحرس بيتها المصادَر في غيابها، وهي لم تسلم أيضا من بلطجة السلطات الصهيونية، فقد جرى إنذارها بإخلاء منزلها.
تقول فوزية: إن سياسة السطو على المنازل في جنح الليل هي أكبر دليل على زيف ادعاء اليهود بأحقيتهم فيها، وإن ممارسة العنف ضد النساء وكبار السن وتهديدهم في منازلهم الآمنة أكبر دليل على ضعف الغزاة الصهاينة، فكل عنيف ضعيف.
**سور القدس.. إرث صلاح الدين ووقف الجراح
عقب انتصار صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وفتح بيت المقدس عام 1187 أصبحت الأراضي الملاصقة لسور القدس جزءا من مستشفى ميداني يديره حسام الدين الجرّاحي طبيب صلاح الدين، وهناك دُشِّن باسمه مسجد وزاوية صوفية، وما زالا قائمين حتى يومنا هذا.
وفي 1865 بدأ المقدسيون ببناء منازلهم في حي الشيخ جراح على أراض صنفها العثمانيون آنذاك بأنها وقف إسلامي، وفي 1956 خصصت الوصاية الأردنية أراضي وقفية في حي الشيخ جراح لبناء منازل تؤوي 28 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين.
تفتح فوزية ألبوم صورها لابنها الشاب، وتريه أفراد العائلة ومنازل حي الشيخ جراح في فترات مختلفة قبل وبعد ولادته، ويتذكران الذين ماتوا ومن بقي منهم على قيد الحياة، ثم يجهشان بالبكاء على الوالد الذي قضى كمدا وقهرا من غطرسة الغزاة المحتلين.
ثم تطلعنا على ملف منزلها المصادَر قائلة: في هذا الملف جميع الأوراق والتبليغات التي كانت تأتينا من المحاكم الإسرائيلية والشرطة، وهذا الملف يحوي أوراق المخالفات التي تلقيتها بحجة البناء بدون ترخيص، مع أنني لم أضف على البناء شيئا، فقط قمت بتلبيسه بالحجر، وهذه وصولات دفع ضرائب الأملاك والمياه والكهرباء والغرامات الأخرى".
كل هذا لم يشفع لفوزية فقد طوق الجنود بيتها ليلا، ودخل إلى غرفتها 50 جنديا وثلاث مجندات وأخرجوها هي وزوجها بالقوة، وفيما بعد سافرت إلى أنقرة للحصول على إثبات ملكية الأرض، وتبين أن هذه الأرض موقوفة على العرب المسلمين في القدس، فقد أوقفها حسام الدين الجراح.
**وادي فوقين.. قرية محاطة بالذئاب المتربصة
لا تقتصر أعمال المصادرة على القدس، بل طالت أرجاء الضفة الغربية كلها، فهذه مثلا قرية وادي فوقين قرب بيت لحم، وهي محاطة بالمستوطنات اليهودية من كل نواحيها، ولم يشفع لها وجود ممثلة الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي لافتتاح طريق فيها، فقطعان المستوطنين لا تفتأ تسطو على القرية بين الحين والآخر وتحيل حياة سكانها إلى جحيم، وتصادر مئات الدونمات من أراضي القرية.
يشكو قاسم الأقرع من قرية وادي فوقين أن سلطات الاحتلال صادرت أرضه، حيث توجه إلى رئيس المجلس القروي أحمد سكّر الذي قال: هذه قرية زراعية يسكنها نحو 3 آلاف نسمة، ولكم أن تتخيلوا أن مياه الصرف الصحي لكل المستوطنات المحيطة تصب في الأرض الزراعية للقرية، ويناضل أهلها للحفاظ على ما بقي من الأرض التي نهبها الاحتلال.
غيّاث ناصر فلسطيني من أراضي 1948، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وهو كغيره من المحامين موكّل بقضايا الفلسطينيين في المحاكم الإسرائيلية، ويقول: قضية هذه القرية أصعب من كل القرى التي عملتُ عليها سابقا، فهي محاطة بالمستوطنات من كل اتجاه، وليس لها طريق إلى القرى الفلسطينية الأخرى، وفي 2014 أعلنت السلطات مصادرة أكثر من 4500 دونم على أنها أراضي دولة.
ويتابع غياث: جزء من هذه الأراضي يقع في وادي فوقين، وقد قمت بتقديم اعتراضات باسم السكان على أنها أراضٍ خاصة لها أصحاب يزرعونها ويسكنون فيها، ولديهم سندات ملكية قديمة وكواشين تركية تثبت ملكيتهم للأرض، وقد قامت الدولة التركية بتسليم الكثير من هذه الكواشين للسلطة الفلسطينية، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فهذه السجلات الكثيرة بحاجة إلى إعادة فرز وترتيب حسب المناطق والقرى.
**قرية الخضر.. احتيال الاحتلال على القوانين العثمانية
يقول قاسم الأقرع: بنيت مستوطنة بيتار على أراضي قرى نحّالين وحوسان ووادي فوقين، وما بقي لنا من الأرض هو عرضة للنهب من المستوطنين، ففي أحد الأيام جاؤوا بحماية الجيش وقاموا بتجريف وقطع جميع الأشجار المثمرة في أرضي، أصبت على الفور بجلطة وأنا أرى جهد عمري يضيع في لحظة بفعل القوة المحتلة الغاشمة. ونحن اليوم ممنوعون من دخول أرضنا بحجة أنها مصادَرة.
بجوار وادي فوقين هناك قرية الخَضْر التي يواجه أهلها خطر مصادرة الأرض من قبل سلطات الاحتلال، ويحمل غياث ناصر ملف هذه القرية كذلك، ويقوم بجمع المستندات والوثائق التي تثبت ملكيتها. يقول غياث: وظيفتي أن أحصل من السكان على ما يثبت ملكيتهم للأرض من أجل الترافع أمام المحاكم بإثبات أن هذه أراض خاصة لها مالكون، وليست أراضي دولة.
تحتال السلطات على هذه الأراضي بموجب قانون عثماني قديم ينص على أن الأرض التي يتركها أصحابها دون فلاحة مدة عشر سنوات تعتبر أراضي دولة وتقوم بمصادرتها على الفور، وهي تقوم بمراقبة الأراضي الفلسطينية بشكل حثيث، وكلمة السر الذهبية في الحفاظ على هذه الأرض هو إثبات ملكيتها عن طريق الكواشين العثمانية القديمة، وهي الوثيقة الوحيدة التي لا يأتي بعدها ما يلغيها.
ودراسة هذه الوثائق عملية دقيقة تحتاج إلى تخصص، فهي لا تقدم خرائط تفصيلية بالأرض، وإنما تقدم اسم القطعة (الحوض)، والأراضي التي تجاورها والقرية التي هي فيها واسم القضاء الذي يضم هذه القرية. ووظيفة المحامين أن يقوموا بمسح هذه الأراضي على الواقع، ثم إعداد الخرائط وتقديمها إلى المحاكم، لكن التحدي هو ترجمة التوصيف العثماني إلى خريطة، ثم توثيق الخريطة بشهادات الناس الموجودين.
وعند ظهور أي حلقة مفقودة سواء بموت الملّاك الأصليين وانقطاع نسلهم، أو بهجرة البعض إلى الخارج، فإن ذلك يهدد الأرض مباشرة بانتقالها إلى ملكية الدولة، أي سرقتها من قبل المحتل اليهودي.
**هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.. إنقاذ ما يمكن إنقاذه
في هيئة تسوية الأراضي والمياه الفلسطينية بمدينة رام الله يجري تسجيل الأراضي والعقارات، وتوفر الخرائط المَسْحية قياسا دقيقا لمساحات تلك الأراضي، وتبين ما تملكه الحكومة منها، وتقوم منى بعيرات وفريقها بدراسة خرائط فلسطين التاريخية، وتستخلص حدود الأراضي حسب شهادات الملكية.
تقول منى: نقوم بدراسة السناجق العثمانية (تقسيمات إدارية) على أرض فلسطين منذ 1856-1900، وأهمها بطبيعة الحال سنجق القدس، ونقوم بعمل التسويات لحفظ حقوق الناس والحفاظ على السلم المجتمعي بينهم، والحفاظ على الأرض من التهويد أو سرقتها من قبل قطعان المستوطنين.
أما القاضي موسى شكارنة فيرأس هيئة تسوية الأراضي والمياه التي تعنى بتسجيل الأراضي لحماية ملّاكها الفلسطينيين، وهو يقول: دور السلطة الفلسطينية مركزي، لدينا هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، للدفاع عن الأراضي وتوكيل محامين لهذا الغرض، وتحضير الأوراق والمستندات القانونية لمساعدة المواطنين على الحفاظ على ممتلكاتهم.
**قانون الأراضي العثماني.. استخدام جائر
تتركز مصادرات اليهود على الأراضي المتاخمة لمدينة القدس من أجل تهويدها وضم أكبر مساحة من الأرض، وتتفاوت مزاعم المصادرة بين أمنية وتنظيمية، ولكنها في النهاية سياسة تصب في مصلحة قطعان المستوطنين والاحتلال الغاشم.
قانون الأراضي العثماني تبناه بحذافيره الانتداب البريطاني، ومن بعده الوصاية الأردنية، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي، وينص على أن الأراضي الزراعية المهجورة (البور) يمكن أن تنتقل ملكيتها لشخص ما، إذا صانها واشتغل بها لمدة عشر سنوات متتالية، أما إذا فشل في صيانتها لثلاث سنوات متتالية فسوف يخسر ملكيتها ويجوز للسلطات مصادرتها.
وتستخدم إسرائيل ذلك القانون بشكل جائر وغير شرعي، فهي تمنع الملّاك الفلسطينيين من حرث أرضهم تحت تهديد الجيش وهجمات قطعان المستوطنين، وتقتلع الأشجار وتجرف الأراضي ثم تقوم بمصادرتها.
**الأرشيف العثماني.. سلاح في وجه سياسة الأمر الواقع
تواصل سلطات الاحتلال مصادرة الأراضي جنوب القدس في سبع قرى أهمها نحالين والخضر ووادي فوقين، وقد سجلت نحالين أكبر الانتصارات القانونية باسترجاع كثير من الأراضي المصادرة بواسطة القانون، فقد ربحت القرية 24 قضية، وتمكنت من وقف قرار المصادرة بفضل القانون والوثائق العثمانية.
يحيط بقرية نحالين سبع مستوطنات صهيونية، وكانت مساحتها التاريخية قبل 1948 حوالي 24000 دونما، استولى الاحتلال على 12000 دونم بين عامي 1948-1967، وفي السنوات الأخيرة هناك صراع على 4 آلاف دونم أخرى. وبالطبع فالاحتلال لا يحتاج إلى مبررات لسرقة الأراضي، فلديه القوة والبطش وتزييف الحقائق، أما الفلسطينيون فلديهم الإيمان بأحقيتهم، ولديهم المستندات التاريخية العثمانية.
تنتهج إسرائيل سياسة المصادرة وفرض الأمر الواقع على الأراضي الفلسطينية منذ عدوان 1967، وذلك لتوطين الصهاينة القادمين من شتى أنحاء الأرض، وتقطيع الوطن الفلسطيني إلى أشلاء غير متصلة لدفن فكرة إقامة دولة فلسطينية مكتملة الأركان.
وقد أتاحت السلطات التركية في السنوات العشر الماضية للفلسطينيين الاطلاع على الأرشيف العثماني لأراضي فلسطين، واستصدار ما يلزم من سندات إثبات الملكية، لتكون سلاحهم أمام المحاكم الإسرائيلية وعدتهم في معركة الصمود، وتعتبر الانتصارات التي حققتها قرية نحالين دافعا لقرى مثل فوقين والخضر حتى تحذو حذوها وتسترد بعض أراضيها المنهوبة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!