ترك برس-الأناضول

بدأت عشيرة "صاري كجيلي"، إحدى عشائر تركمان اليوروك المحافظة على أسلوب الحياة البدوي في الأناضول، رحلتها الموسمية بين الشتاء والصيف، من ولاية مرسين (جنوب) إلى سهول ولاية قونية وسط البلاد، بحثا عن المرعى والطقس البارد.

ويعتبر الترحال خلال فصلي الشتاء والصيف، أسلوب حياة للعشائر المتنقلة التي تمتهن الرعي من أجل توفير المراعي والجو المناسبين للمواشي، التي تشكل مصدر رزقها.

بالنسبة إلى عشيرة "صاري كجيلي"، يمثل الترحال دورة حياة تستمر في سهول وسط الأناضول صيفا، وبالمناطق الأكثر دفئا نسبيا شتاء، وتقطع العشيرة مئات الكيلومترات في كل موسم هجرة بين المصيف والمشتى.

ومع بدء ارتفاع درجات الحرارة في ولاية مرسين المطلة على البحر المتوسط، التي تشكل المشتى لـ"صاري كجيلي"، يشرع أبناء العشيرة في الرحيل إلى المناطق السهلية الأكثر برودة وسط البلاد.

- من أبناء تركمان الأوغوز

تنتسب عشيرة "صاري كجيلي" إلى قبيلة الأوغوز (التركمان)، إحدى القبائل التركية المهمة التي استوطنت الأناضول وإيران وأذربيجان والعراق وبلاد الشام والبلقان، عقب انتصار الدولة السلجوقية على الإمبراطورية البيزنطية في معركة "ملاذكرد" (1071)، وتأسيس الدولة العثمانية (1299 ـ 1923).

ومنذ نحو ألف عام من استقرار العشيرة في الأناضول، يواظب أبناء "صاري كجيلي" على حياة الرعي لتوفير متطلباتهم، وهو ما يستوجب الترحال بين السهول والهضاب الموجودة في مصايف قونية ومشاتي مرسين.

قبل الرحلة، يقوم أفراد العشيرة "صاري كجيلر"، المشهورون بصنع جبن الماعز والخبز التركماني المميز، وتفكيك خيامهم وتحميل أمتعتهم على الجمال.

وخلال الرحلة، يعمل أفراد العشيرة على تفقد قطعانهم راجلين أو على ظهر الخيول، لاسيما خلال رحلتهم عبر سفوح جبال طوروس. فيما تنشغل بعض العائلات التي تفضل السهول المرتفعة للمبيت، بنصب الخيام من أجل قضاء الليل فيها.

- الجمال تتبعني

وتقود خديجة أوجار (61 عامًا) إحدى أفراد عشيرة "صاري كجيلي"، قطيع الجمال ممتطية صهوة جوادها، بعد أن حمّلت أمتعتها من أجل الرحلة التاريخية لعشيرتها من مرسين إلى قونية. فيما ينهمك زوجها علي أوجار (63 عامًا)، بنقل صهاريج المياه بواسطة جرار زراعي، وابنتهما فاطمة (23 عامًا)، وزوجها مصطفى ديلكمن (24 عامًا)، برعي قطيع الماعز.

وقالت خديجة أوجار خلال استراحة في إحدى غابات ولاية قرمان، إن رحلة الصيف والشتاء التي تقوم بها عشيرة صاري كجيلي، صعبة جدًا، لكنها أسلوب حياة تبناه أفراد العشيرة منذ مئات السنين.

وتابعت للأناضول: نمر عبر المزارع والكروم بصعوبة خشية أن تلحق قطعاننا الضرر بالزرع والمحاصيل الزراعية. عدم إلحاق قطعاننا الضرر بأملاك الآخرين يشكل هاجسًا بالنسبة لنا.

وذكرت أوجار أن قطعان الجمال قد تعودت عليها، وقالت: الجمال تتبعني حيث أذهب طوال طريق الرحلة وكأنها تدرك تمامًا بأني أقودها إلى السهول حيث المرعى الوفير والهواء المعتدل. أنا أحب الجمال، وقد قضيت حياتي معها. لطالما ساعدني زوجي على رعايتها والحفاظ عليها.

وأوضحت أوجار أنها قضت حياتها بين الخيام والانتقال بين المشتى والمصيف، ثم قالت: الانتقال بين المشتى والمصيف عملية صعبة لكن هذه هي حياتنا وسبيلنا لكسب قوت يومنا.

واستطردت: نحاول تجنب المناطق الزراعية قدر الإمكان من أجل ألا نتسبب بالأذى للمحاصيل الزراعية. الحمد لله نحن سعداء بحياتنا. أعاني صعوبات بسبب آلام في الظهر، لكني سعيدة بحياتي لاسيما وأني ولدت ونشأت في خيمة واعتدت الحياة في هذه الجبال والسهول الجميلة.

وحول الأيام التي تستغرقها الرحلة، قالت فاطمة ديلكمن إن الرحلة عادة تستغرق من 20 إلى 25 يومًا، إلا أن مرحلة الاستعداد هو الجزء الأصعب.

وأضافت: نعمل على تفكيك خيامنا وإعداد الخبز ليكون جاهزًا خلال فترة الرحلة. سيكون لدينا طريق طويل يستغرق منا السير لمدة 20-25 يومًا.

وحول حياة الترحال بين المصيف والمشتى كل عام، قالت فاطمة إن أسلوب الحياة هذا صعب لكنها تسعى مع أقربائها وعشيرتها من أجل الحفاظ عليه وتشعر بالسعادة لكونها لا تزال تعيش حياة العشيرة المتنقلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!