ترك برس

يحظى الدكتور خليل إينالجيك، باحترام وتقدير، ليس فقط في تركيا، بل في جميع أنحاء العالم، بفضل أبحاثه ودراساته العلمية المتعلقة بالتاريخ العثماني والبلقاني، كما وصفه الدكتور المؤرخ التركي إلبر أورتايلي، بأنه "قطب المؤرخين". وفي هذه الأيام، تمر ذكرى وفاته الخامسة، التي نتذكر فيها حياةً زاخرةً بالعمل والعطاء والإنتاج استمرت مئة عام.

أستاذ التاريخ في جامعة غلاطة بإسطنبول وجامعة بيلكنت في أنقرة، الدكتور إلبر أورتايلي، تحدث إلى وكالة الأناضول، عن تعرفه على المؤرخ إينالجيك، في سن مبكرة بفضل الصداقة ما بين عائلته وعائلة المؤرخ، وقال أورتايلي: "كنت طفلا عندما تعرفت عليه لأول مرة، كما تعرفت عليه جيدا عند التحاقي بالمدرسة الملكية، ووجدت لديه إجابات للأسئلة التاريخية التي كنت أبحث عنها، ولفت انتباهي أسلوبه ونهجه. أعتقد بأن تركيا لم تخلُ من الاهتمام السطحي بمجالات التاريخ والسياسة والحياة اليومية في كل زمان. لكنني لم أجد مثيلًا لهذا العالِم الذي يملك حافظة قوية تمكنه من الحديث بثقة دون الرجوع إلى المصادر".

أشار أورتايلي، إلى أن الأجيال السابقة في تركيا لم تتمكن من الذهاب إلى أوروبا للانفتاح على العالم الخارجي، وقال: "لم يكن لدى المعلم خليل فرصة لتعلم لغة أخرى لأعوام عديدة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه رغم ذلك تعلم اللغات الأوروبية بشكل مثالي بالرغم من بقائه في تركيا، فمكّنته معرفته باللغات من استخدام مصادر جديدة، ليتمكن من الانفتاح على العالم بأساليب جديدة، ويمتلك وجهات نظر جديدة حول تاريخ البلقان".

المؤرخ إلبر أورتايلي

واصل إينالجيك العمل على دراسات وأبحاث بدأها منذ سن مبكرة حتى آخر يوم في حياته، يقول أورتايلي: "تخرّج إينالجيك في عام 1939، ثم حصل على الدكتوراه عام 1941، وواصل دراساته حتى آخر يوم في عمره، فكان يجسد حقيقة العبارة المشهورة: "لو عشت 100 عام، تتعلم 100 عام". لقد كان يمسك قلمه بيديه حتى بعد عمر التسعين، لذلك عندما يُذكر اسمُه "خليل باي" يتبادر إلى الذهن التركي المجتهد".

ولد خليل إينالجيك، بإسطنبول في 7 أيلول/ سبتمبر 1916 في الحرب العالمية الأولى، ووالده سيد عثمان نوري باي من مهاجري القرم، ووالدته عائشة بحرية هانم. أنهى المرحلتين الابتدائية والإعدادية في أنقرة وسيواس، ثم أكمل دراسته الثانوية في مدرسة نجاتي باي للمعلمين في باليكسير، وحصل على ليسانس في كلية اللغة والتاريخ والجغرافيا في جامعة انقرة عام 1935.

جذبت نباهة إينالجيك انتباه الدكتور فؤاد كوبرولو، بدراساته في قسم التاريخ الحديث، لذلك أوصى بتعيينه كمساعد علمي، وقدم أطروحته لرسالة الدكتوراة عام 1942 بعنوان "التنظيمات والقضية البلغارية"، ثم عين أستاذا مشاركا في عام 1943 بأطروحته "سلاطين الدولة العثمانية والقرم من فيينا إلى الانتقام العظيم".

تزوج خليل إينالجيك، من شوقية إيشيل، الأستاذة في قسم اللغة العربية وآدابها في نفس الجامعة عام 1945، ورزق منها بابنته غونهان، كما قدم دروسا في كلية اللغة والتاريخ والجغرافيا، ثم انتخب كعضو في الجمعية التاريخية التركية عام 1947.

أُرسِل إينالجيك من قبل الجامعة إلى إنجلترا في عام 1949، حيث بحث في مصادر التاريخ العثماني والتقى بمؤرخين مهمين فترة مكوثه هناك التي استمرت عامين، وحصل بفضل أطروحته "التعاون بين السلاطين العثمانيين - القرم في أعوام هزيمة فيينا"، على لقب البروفيسور في عام 1952. كما نشر في تلك الفترة كتابا عن فتح إسطنبول، وأطلق عليه اسم "الوثائق والتدقيقات في عهد الفاتح".

المؤرخ خليل إينالجيك

أَسهَمَ إينالجيك، بتطوير دراسات أبحاث التاريخ العثماني - التركي في أمريكا، بتقديمه محاضرات كأستاذ زائر في خمس جامعات أمريكية وهي جامعات هارفرد وبنسلفانيا وكولومبيا وشيكاغو وبرينستون، كما أسس قسم التاريخ العثماني في جامعة شيكاغو، التي تقاعد منها في عام 1986.

تقاعد إينالجيك، من جامعة أنقرة في عام 1972، وقام بتأسيس  قسم التاريخ في جامعة بيلكنت عام 1993 الذي قدم فيه المحاضرات  لطلاب البكالوريوس والدكتوراه طوال 23 عاما، علّم خلالها مئات الطلاب المتخصصين في التاريخ العثماني، كما أسس بالجامعة "مركز خليل إينالجيك للدراسات العثمانية" في عام 2003، متبرعا له بمخزونه الثّري من نسخ الوثائق والدفاتر والنصوص البحثية غير المكتملة وأكثر من ألف طبعة منفصلة ومواد أخرى، التي قام بجمعها من أرشيفات مختلفة على مر السنين.

كان إينالجيك، يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، و كذلك الإيطالية والفارسية والعربية بمستوى متوسط، وكان يعد واحدًا من العلماء النادرين على مستوى العالم في تخصصه، وقد أوصى طلابه بضرورة تعلم اللغات الغربية وأيضًا الفارسية والعربية للاطلاع على التاريخ العثماني. وتوفي عن عمر يناهز 100 عاما، في 25 تموز/ يوليو 2016، تاركا خلفه 66 كتابا وما يزيد عن 500 مقالة.

وقد اشتهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقبل فيها يد إينالجيك.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!