علي حسون - خاص ترك برس

من دون سابق إنذار أعلن الثنائي الشيعي في لبنان رفع الحظر عن جلسات مجلس الوزراء، وكانت السفيرة الأمريكية في بيروت قد سبقت بتسليم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتابا خطيا من وزارة الخزانة في بلادها يؤكد استثناء لبنان من عقوبات قانون قيصر فيما يتعلق بصفقة الغاز المصري، وقبلهما نجح لمرة يتيمة تعميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يحمل الرقم ١٦١ من لجم سعر صرف الدولار في السوق السوداء ليقفل مساء السبت على اقل من ٢٥ ألف بعد ان تخطى عتبة ال٣٣ ألف خلال الأيام الماضية.

وسط تراكم تلك الإيجابيات كما يحلو لرئيس الحكومة القول، هل بدأ لبنان طريق الخروج من جهنم أم أنه استقرّ في القعر وما يحدث كذبة كبيرة يختلط فيها عفونة الصفقات الداخلية لأهل السلطة، بعملية بيع لبنان على طاولة المفاوضات الخارجية؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي بداية النظر الى ما يحدث في فيينا بين ايران والقوى الغربية، فبعد البداية المتعثرة للجولة الحالية من المفاوضات ها هي تصريحات الأطراف من الولايات المتحدة وفرنسا الى ايران وروسيا تتحدث عن تقدم ملموس، فيما الواضح أن بوادر نصف اتفاق قد لاحت في الأفق على قاعدة "رابح-رابح" يسمح لطهران بالحفاظ على ما حققته وأن تضيف عليه تحرير صادراتها النفطية وجزء من أموالها المجمدة، فيما تكون إدارة جو بايدن قد أزاحت خطر تحول الجمهورية الإسلامية الى الدولة النووية العاشرة في العالم، أقله حاليا، ومعه شبح الحرب التي لا يمكن توقع نتائجها وهوية المنخرطين فيها. 

على صعيد متصل يبدو أن التراجع عنوان أذرع الولي الفقيه في المنطقة، ففي البيضاء ومأرب وشبوة في اليمن تراجع عسكري لجماعة الحوثي أمام التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، وفي العراق تراجع سياسي أفرزته صناديق الاقتراع التي خذلت الحشد الشعبي بإطاره التنسيقي الشيعي ومقاتليه المقدر عددهم ب ١٦٠ ألفا والذين فشلوا حتي الساعة في الانقلاب على نتائج الانتخابات وها هو تحالف "شيعي(مقتدى الصدر)-سني (محمد الحلبوسي)- كردي (التحالف الكردستاني)" خطى أولى خطواته بانتخاب "الحلبوسي" رئيسا لمجلس النواب، أما في سوريا ففوق كل ما سبق تراجع في المكاسب الاقتصادية ومناطق النفوذ بفعل الصراع الذي طفى على السطح مع الحليف الروسي منذ توقف العمليات العسكرية في البلاد في آذار الماضي وفشل طهران الى الآن في تحقيق أي نقاط على حليفها اللدود الذي رشح عنه في الأسابيع الماضية استياؤه من أداء المفاوضين "الفرس" في فيينا قبل تبدل المشهد مؤخرا، وعليه يمكن الخلاصة الى القول أن حاجة إيرانية أفضت الى صدور الأمر الى حزب الله لفك أسر الحكومة اللبنانية تماما كما فعل يوم سماحه بصدور مراسيم تشكيل حكومة ميقاتي بعد ٣ تكليفات و١٣ شهرا من الانتظار.

مصلحة حزب الله لا تتوقف عند ما تقدم بل تتعداه الى حسابات داخلية ليس أقلها الحاجة الى ترتيب علاقته مع غطائه المسيحي، التيار الوطني الحر، بعد أن خذله في المجلس الدستوري وفي تعطيل اجتماعات الحكومة، .كذلك تفكيك الألغام في العلاقة بين هذا الحليف وباقي الحلفاء كحركة أمل-نبيه بري وتيار المردة-سليمان فرنجية تحضيرا للانتخابات النيابية في أبريل/أيار المقبل، وضبط إيقاع حلفاءه من السنة لأن انتخابات رئاسية في انتظاره وهو غير مستعد لخسارة أكثريته النيابية عبر انهزام حليفه جبران باسيل  أمام سمير جعجع وانحسار كتلة تيار المستقبل مقابل دخول لممثلين عن المجتمع المدني والذين يتهمهم الحزب ومنذ اليوم الأول لثورة ١٧ تشرين بالعمالة للغرب والسفارات. 

بالتوازي مع أمر العمليات الايراني خطة العمل الأمريكية تقضي بتمهيد الطريق لمبعوثها رعاية المفاوضات بين لبنان ودولة الاحتلال لترسيم الحدود البحرية "آموس هوكشتاين" الذي من المتوقع أن يصل الى بيروت خلال الأيام الماضية، عبر الإيحاء بتسريع العمل للحصول على الطاقة من خلال الغاز المصري. 

هذا كله  سمح لاتفاق ميقاتي-سلامة أن يبدو كأنه نجح في فرملة انهيار سعر الصرف وكبح جماح المصارف اللبنانية المسعورة عن سرقة الدولارات التي ضخها المصرف المركزي وتهليل الإعلام للخطوة والحديث عن استمرار هبوط الدولار في الأيام القادمة وترجمة عملية في تراجع أسعار الغذاء والدواء والمحروقات. 

ولكن الحقيقة أن سعر صرف الدولار سيعود للتحليق مجددا، فالمصرف الذي أنفق من أموال المودعين أكثر من ٨٠٠ مليون دولار خلال شهر واحد (آغسطس\آب الماضي) للقضاء على طوابير الذل أمام محطات الوقود وفشل لن ينجح في السيطرة على سعر الصرف عبر ٢٠٠ مليون أو حتى مليار دولار خصوصا أن الأسباب الاقتصادية لم تعالج أو أقرت خطة لمواجهتها بعد، وحتى تلك غير الاقتصادية كالمنصات والتي سبق لسلامة نفسه أن ادعى أنها وراء تدني سعر العملة لم يتم تطويقها. أضف الى ما تقدم فالأموال الدولية لن تأت الى لبنان سوى عبر صندوق النقد الدولي الذي من المؤكد اننا لازلنا على مسافة بعيدة من الوصول الى اتفاق معه حتى وإن سارت المفاوضات دون أية عراقيل. 

على مقلب آخر فالحكومة ستبقى حبيسة التعطيل ولن تتمكن من لعب الدور الإنقاذي بإبرام اتفاق مع صندوق النقد أو اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الانهيار الحاصل على المستويات الصحية والمعيشية والتعليمية وغيرها خصوصا أن فتيل الانفجار قابل للاشتعال في أي وقت  يحتاجه حزب الله عبر قميص عثمان المتمثل في المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، فضلا عن القرار المتخذ من المجتمع الدولي ومؤسساته بعدم السماح للحكومة بالإشراف على أي مساعدات ممكن تقديمها للبنانيين وهو ما يرفضه فريق حزب الله.

الخلاصة أننا مستقرين في قهر جهنم مع هذه السلطة والحديث عن جرعة تفاؤل بناء على التطورات الأخيرة ليس سوى ذر للرماد في العيون والآت أعظم ما لم تأت الانتخابات النيابية بجديد.

عن الكاتب

علي حسون

صحفي لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس