ترك برس

قال ستيفن فلانغان، كبير الباحثين السياسيين في مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث والتطوير، إن تركيا تقوم بلعب دور بيضة القبان بين روسيا والغرب.

وأضاف في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" أن "الأتراك لم يتراجعوا عن دعمهم الثابت لأوكرانيا، وذلك بالرغم من أن روسيا غير سعيدة بذلك. ولم تزل تركيا من بين أكثر الدول دعماً لأوكرانيا".

وفي عام 2019، وفي تحرك أسخط الروس، بدأت تركيا ببيع الطائرات المسيرة المسلحة لأوكرانيا. ثم ما لبث البلد أن استخدمها لشن هجمات موجهة بعناية فائقة ضد الانفصاليين المدعومين روسياً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول. ويتم حالياً العمل على تنفيذ خطط لإنشاء مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة من طراز بيرقدار تي بي 2 داخل أوكرانيا.

وفي سياق متصل، نقل تقرير لموقع "ميدل إيست آي" عن جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، والذي يعمل حالياً مع مركز ويلسون للبحث والتفكير في واشنطن العاصمة، إن البيت الأبيض ما فتئ يعمل بهدوء مع تركيا على مستوى العلاقات الثنائية وعلى مستوى الناتو.

ويضيف: "واشنطن والناتو كلاهما يعترف بالدور الهام الذي تلعبه تركيا في الأزمة الأوكرانية، إلا أن الخوف من تقلب أردوغان المفاجئ يحول دون تتويج ذلك بإقرار علني".

وبحسب التقرير فإنه "يبدو أن أكبر تحد حتى الآن يواجه جهود الناتو لإظهار جبهة موحدة يأتي من الغرب وليس من الشرق."

وفيما يلي النص الكامل لتقرير "ميدل إيست آي":

فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تشاجر مع أردوغان مراراً وتكراراً، كان من المفروض أن يتصل هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة. ولقد أرقت تصريحاته حول ضرورة أن تنتهج أوروبا سياسة منفصلة تجاه روسيا أعضاء الناتو الآخرين المقربين من أوكرانيا.

في نفس الوقت، تم انتقاد ألمانيا؛ لأنها لم تتخذ موقفاً واضحاً تجاه خط أنابيب نورد ستريم 2، والذي من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا ويتفادى أوكرانيا. كما تخاصمت مع أعضاء أخرين في الناتو؛ لرفضها تصدير الأسلحة الفتاكة إلى كييف.

وعن ذلك قال المسؤول في الناتو: "بإمكانك أن ترى بعض عناصر التوتر بين البلدان في أوروبا (حول أوكرانيا)، إلا أن تركيا لم تكن واحدة منها."

وأضاف: "بينما لا تراها تتردد في الحديث علانية عن الخلافات التي قد تطرأ بينها وبين أعضاء التحالف الآخرين، عندما يتعلق الأمر بأعمال تتعلق بصميم الناتو، فإن تركيا لم تكن يوماً عقبة في طريق ذلك".

تقف تركيا وروسيا على طرفي نقيض في الصراعات التي تدور رحاها في كل من سوريا وليبيا. ومع ذلك فقد شكلتا شراكة غير مريحة لإدارة الخلافات بينهما. يقول فلانغان، الباحث في راند: "تقوم تركيا بلعب دور بيضة القبان بين روسيا والغرب".

إحدى المناطق التي تراقب تركيا فيها روسيا بقلق خاص هي البحر الأسود. حيث برزت روسيا كقوة مهيمنة بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم.

وخاصة أن الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود، والذي يتخذ من شبه الجزيرة مقراً له، تضخم خلال السنوات الأخيرة. ويشتمل على غواصات وسفن حربية تحمل صواريخ موجهة من طراز كاليبر لديها القدرة على ضرب أهداف على مسافة 2400 كيلومتر (ما يعادل 1500 ميل تقريباً)، بالإضافة إلى سفن مجهزة بأحدث معدات التجسس وجمع المعلومات.

كان لعسكرة شبه جزيرة القرم أعمق الأثر على تفكير أنقرة الاستراتيجي تجاه الناتو.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال ماموكا تسريتلي، الباحث في مبادرة جبهة أوروبا لدى معهد الشرق الأوسط: "كانت تركيا قبل 2014 تقول: نحن لا نحتاج الناتو هنا. لكنهم باتوا الآن أكثر استعداداً للسماح بوجود للناتو في البحر الأسود أضخم من أي وقت خلال العقود الماضية".

في عام 2016، ألقى أردوغان خطاباً، أنذر فيه بأن البحر الأسود غدا "بحيرة روسية"، وحذر من أننا "إذا لم نتخذ إجراءً فإن التاريخ لن يغفر لنا".

اتخذت تركيا موقف المدافع بشدة عن حق كل من أوكرانيا وجورجيا في التقدم بطلب للانضمام إلى الناتو. كما أنها تشارك بفعالية في المناورات البحرية مع البلدان الأخرى الأعضاء في حلف الناتو في منطقة البحر الأسود، بما في ذلك رومانيا وبلغاريا.

ومع ذلك، ومع زيادة احتمال نشوب الحرب في الأسابيع الأخيرة، عمل أردوغان على موازنة خطابه، واختيار كلماته بعناية. ففي مقابلة أجريت معه الأربعاء، دعا إلى حوار "يتم من خلاله الاستماع إلى روسيا، وتبديد مخاوفها الأمنية المعقولة".

كما يفهم من اقتراح الزعيم التركي القيام بدور الوسيط أنه حريص على الحفاظ على العلاقة التي طورها مع بوتين، وربما التحدث بلغة أكثر حيادية.

وفي مقابلة مع موقع ميدل إيست آي، قال مسؤول تركي: "نعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة داخل الناتو." إلا أن ضلوع البلد في مغامرات في النقاط الساخنة ما وراء البحار يعني أنها تحتك باستمرار مع روسيا، وتجد نفسها مضطرة لتوخي الحذر.

يقول مسؤول الناتو: "تخصص تركيا مكافأة للحديث مع روسيا".

هناك حدود لمدى ما وصل إليه التماسك بشأن أوكرانيا، وما زالت العقبات التي تنغص علاقة تركيا مع الغرب قائمة. وعلى الرغم من دعمها لكييف، لا يوجد إلا النزر اليسير من الأدلة على أن أنقرة لديها الاستعداد للتراجع عن واحدة من خطواتها الأكثر إثارة للنزاع، ألا وهي شراء منظومة إس-400.

يقول المسؤول التركي: "تفي تركيا بالتزاماتها كعضو في الناتو، ولكن ضمن الحدود الضيقة (لمعاهدة الناتو) بإمكانها أن تفعل الكثير حين يتعلق الأمر بالدفاع عن ذاتها وبسياساتها الوطنية. ترى تركيا دورها بشكل مختلف تماماً".

وحشدت روسيا مؤخرًا عشرات الآلاف من القوات بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، ما أثار مخاوف من أن الكرملين يخطط لهجوم عسكري آخر ضد جارته السوفيتية السابقة.

ونفت موسكو أي استعدادات للهجوم على أوكرانيا، وقالت إن قواتها موجودة هناك لإجراء تدريبات.

وأكد تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، استعدادها للتوسط بين موسكو وكييف واستضافة زعيمي البلدين في أنقرة، لإيجاد حلّ للأزمة، الأمر الذي استقبلته روسيا وأوكرانيا بالترحيب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!