ترك برس
وصف ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أزمة الثلوج التي شهدتها مدينة إسطنبول، الأسبوع الفائت، بـ "الكارثة البيضاء"، منتقداً طريقة تعامل البلدية التي تتولى رئاستها أكبر أحزاب المعارضة، مع الأزمة.
جاء ذلك في مقال له بعنوان "تساقط الثلوج في إسطنبول كشف الكثير من الحقائق" نشره موقع الجزيرة نت.
وبدأت موجة ثلوج إسطنبول، مع مساء الأحد الماضي واشتدت وتيرتها مساء الاثنين، ما أدى إلى إغلاق الطرقات، وتعطل السيارات، وحوادث السير المتسلسلة في الشوارع، واضطرار أعداد كبيرة من المواطنين إلى قضاء الليلة الأولى من العاصفة في الجوامع والمكتبات العامة والمراكز الخدمية ومؤسسات البلديات الفرعية المختلفة، التي تحولت إلى مراكز إيواء.
وقال أقطاي إن تركيا كانت تتوقع تساقط الثلوج منذ فترة طويلة، لكن مع ذلك تبيّن أن إسطنبول لم تكن جاهزة لذلك، وهو ما كشفته ليلة 24 يناير/كانون الثاني.
وأضاف أن تساقط الثلوج أدى تلك الليلة إلى دخول إسطنبول "حالة فوضى لم يسبق لها مثيل. فقد علقت العربات في حركة المرور المزدحمة للغاية مما تسبب في إغلاق جميع الطرق تقريبًا، واضطر الناس إلى قضاء ساعات طويلة في الانتظار دون التمكن من العودة إلى منازلهم، ومنهم من ظل عالقًا في الخارج لمدة يوم كامل. لقد عانى المواطنون المحاصرون في سياراتهم لساعات من الجوع والعطش والتعب والبرد والحاجة إلى قضاء حاجاتهم."
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
بغض النظر عن جميع الاعتبارات، يمكن تسمية هذه الحادثة بـ "الكارثة البيضاء". وما حدث يُعد غريبًا إلى حد ما نظرًا لأن كمية الثلوج التي هطلت لم تتجاوز في الواقع الكمية المسجلّة قبل 5 أعوام. في تلك الفترة، أي عام 2017، كان رئيس بلديّة إسطنبول هو قدير طوباش وقد وصلت سماكة الثلوج إلى 120 سنتيمترا في العديد من الأماكن، لكن لم يذكر أحد أن إسطنبول شهدت مثل هذه الكارثة.
لا يمكن لتساقط الثلوج في تركيا أن يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى رؤية مثل هذه المشاهد، والسبب بسيط جدًا. فبلدية طوباش كانت قد تأهبت بشكل جيد لتساقط الثلوج بناء على تقارير الأرصاد الجوية قبل أيام. وقبل قدوم العاصفة الثلجية، نُشرت جرافات الثلج على جميع الطرقات ونثِر الملح على الطرق وأرسلت التعزيزات إلى الطرق المغلقة. وعلى هذا النحو، رحّب السكان بتساقط الثلوج وكان ذلك أشبه بمناسبة احتفالية سعيدة.
يحتل الإنتاج الزراعي مكانة مهمة في الاقتصاد التركي، وهو بحاجة ماسة إلى الثلوج. وفي الأعوام التي يتساقط فيها الثلج بكميات قليلة، يكون تأثير ذلك على الاقتصاد واضحًا.
وبما أن محطات الطاقة الكهرومائية من ركائز البنية التحتية لتوليد الطاقة في تركيا، تستهلك البلاد المزيد من الغاز والنفط في السنوات التي يقل فيها تساقط الثلوج، وهذا بدوره يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد.
إن تساقط الثلوج نعمة ورحمة بالنسبة إلى تركيا. ونظرا لأنه يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على حياة السكان، تتخذ تركيا دائما الإجراءات المناسبة. والسؤال المطروح: هل الكمية الكبيرة من الثلوج التي تساقطت في إسطنبول يوم 24 يناير/كانون الثاني هي السبب في حدوث هذه الكارثة؟
من الصعب قول هذا بالعودة النجاح الذي حققته بلدية إسطنبول في مكافحة تساقط الثلوج عام 2017. في الحقيقة، إن ما حدث تتحمل مسؤوليته إدارة حزب الشعب الجمهوري عديمة الخبرة، والتي تسلّمت بلدية إسطنبول الكبرى بعد 25 عامًا. كمؤسسة، تمتلك البلدية ما يكفي من التجهيزات والموارد والخبرة للتصدي للعواصف الثلجية. لكن عندما يحدث قصور في إدارة هذه الإمكانيات والموارد، فمن الطبيعي أن نشهد مثل هذه النتائج.
لقد تسببت إدارة حزب الشعب الجمهوري منذ لحظة وصولها في الكثير من الإخفاقات، ويعزى ذلك إلى منح المناصب إلى المقربين من الحزب بدلاً من تعيين ذوي الكفاءة والخبرة.
تقارير الأرصاد الجوية صدرت قبل فترة طويلة من تساقط الثلوج بكثافة يوم 24 يناير/كانون الثاني، مع التحذير من إمكانية مواجهة عاصفة ثلجية هائلة تعطل حركة المرور وتغلق الطرقات. وما توجب على إدارة البلدية القيام به لمواجهة هذه العاصفة ليس مستحيلاً مقارنة بالتجارب السابقة.
كل ما كان على البلدية فعله هو نشر جرافات الجليد وتمليح الطرقات والاطلاع على برامج البلديات السابقة في كيفية الاستجابة لمثل هذه الأزمات، ولكن إدارة البلدية الحالية لم تفعل ذلك.
عندما تراكمت الثلوج وأغلقت الطرقات، لم تكن هناك جرافة واحدة تابعة للبلدية لنجدة المواطنين العالقين. والطريق الذي اعتاد الناس قطعه خلال نصف ساعة، ظلوا عالقين فيه لمدة يوم كامل. وسط هذه الكارثة، لم يدل أكرم إمام أوغلو (عمدة مدينة إسطنبول) التابع لحزب الشعب الجمهوري، بأي تصريح. لكن بعد ساعات من الكارثة، نشر صورًا له في مطعم للسمك يتناول العشاء ويشرب الراكي وبدا أنه يستمتع بوقته.
تستحق هذه الصور أن تُدرج في أرشيف الفضائح للتاريخ التركي، خاصة بعد أن تبيّن أن الشخص الذي كان برفقته في العشاء هو السفير البريطاني. إنه لعار كبير أن يستمتع رئيس بلدية إسطنبول بالراكي والسمك 3 ساعات تقريبا في الوقت الذي تواجه فيه مدينته عاصفة ثلجية هائلة. وما يجعل موقفه أكثر صعوبة وجوده مع السفير البريطاني.
إنها فضيحة من الصعب تحمّلها بالنسبة لتركيا التي اعتادت على إدارة حزب العدالة والتنمية، هذه الإدارة التي عُرفت بالخدمات والمشاريع والعمل الدؤوب.
يبدو أن أكرم أوغلو لم يستطع التخلف عن حضور هذا العشاء في مثل هذا الوقت العصيب لأن له علاقة بترشحه للرئاسة، الذي أثار الجدل منذ فترة. ومن الواضح أنه يسعى للحصول على دعم بريطانيا أكثر من سعيه للحصول على دعم شعبه.
لكن هذه الفضيحة ستكون عقبة كبيرة في طريقه، وينضاف إليها حقيقة أن مستشاره الإعلامي مراد أونغون كان يقضي عطلة تزلج في جنيف مع عائلته في الوقت الذي يعيش فيه وطنه هذه المحنة. وما يجعل الفضيحة مضاعفة أن هذا المستشار كان يردّ بتغريدات على الانتقادات الموجهة لأكرم أوغلو.
وعلى غرار عمدة إسطنبول، كان هذا المستشار على علمٍ بأن عاصفة ثلجية ستضرب المدينة لكن ذلك لم يمنعه من قضاء إجازته في جنيف -وهو خطأ فادح بالنسبة لمستشار رئاسي- بينما استمر في مهمة الدفاع عن حزب الشعب الجمهوري. إن الجانب الوحيد المتبقي من شعبية إمام أوغلو هو معارضته المستمرة لحزب العدالة والتنمية، ولكنه لم يقدم أي استثمارات أو إنجازات لصالح إسطنبول منذ انتخابه رئيسًا لبلديتها. وباستثناء معارضة أردوغان، لم يقدم أي مشروع آخر حتى الآن.
هذه ليست أول مرة، فقد تبين أنه سبق أن ذهب في إجازة تزلّج مع أسرته في أرضروم بينما كان هناك فيضان يغرق إسطنبول. كما اختفى أثناء زلزال ضرب المدينة ليُكتشف أنه في إجازة أيضًا. والتصور الذي تشكل من ذلك أن إمام أوغلو معتاد على ترك إسطنبول لوحدها أوقات الأزمات، دون أن يشعره ذلك بأي انزعاج.
ونتيجةً لذلك، أصبح الثلج -الذي يمثل مصدر نعمة تركيا- مرآة تعكس فشل إمام أوغلو وتكشف ارتباطاته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!