د. علي حسين باكير - عربي 21

في بداية الشهر المنصرم، وبينما كانت صواريخ الحوثي ومسيراته تقصف أهدافاً داخل كل من الإمارات والسعودية، خرج قيس الخزعلي، الأمين العام لما يسمى عصائب أهل الحق الموالية لإيران في العراق، ببيان هاجم فيه بشدّة تركيا واصفاً إيّاها بأنّها قوة احتلال تتّبع نهجاً همجياً، مشيراً إلى أنّه وبعد أن ثبّتت قواعدها، أخذت تقصف المدنيين الآمنين ومخيّمات النازحين. وهدّد الخزعلي في بيانه هذا تركيا، مؤكداً أنّه لن يتم السكوت عن ذلك وسيأتي الوقت المناسب الذي يلقنون به الأتراك الدروس القاسية. 

بيان الخزعلي هذا ضد تركيا ليس الأوّل من نوعه، فخلال العامين الماضيين، أطلق الخزعلي تصريحات معادية لتركيا تصب في نفس الإتجاه. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2020، شن زعيم الميليشيا الشيعية الموالية لإيران في العراق هجوما عنيفا ضد أنقرة، متهماً إياها بالسعي إلى الهيمنة على شمال العراق، ومحذّراً من أنّ تواجد تركيا في العراق يشكّل تهديداً أشد وأكبر من التهديد العسكري الأمريكي. وخلال العام الماضي، اتهم الخزعلي تركيا بالتخطيط شمال العراق، لافتاً إلى أنّ العثمانيين يريدون تثبيت تواجدهم في الأماكن التي يحتلّونها، مهدداً أنقرة بأنّهم سيواجهون تركيا بأسلحتهم وسيقوم هو شخصياً بحمل السلاح ضد تركيا.

لم يقف الأمر عند حدود التصريحات، فقد قامت ميليشيات موالية لإيران بإطلاق بضعة صواريخ ضد مواقع تركية في شمال العراق عدّة مرات في مناسبات سابقة لا سيما أثناء اشتباك أنقرة مع عناصر من حزب العمّال الكردستاني. في شباط (فبراير) 2021، بث تلفزيون العالم الإيراني مشاهد لمجموعة تدعى أصحاب أهل الكهف تستخدم صواريخ إيرانية الصنع في استهداف مواقع تركية شمال العراق.  كما لوحظ خلال العامين الماضيين تقارب الميليشيات الشيعية الموالية لإيران مع حزب العمّال الكردستاني، وذلك بهدف استخدام الأخير كغطاء للعمليات ضد أنقرة لتخفيف الضغط على إيران في سوريا والعراق والقوقاز.

الجدير بالاهتمام أنّ هذه التطورات المتلاحقة ذات الصلة بالدور الإيراني ضد تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات تأتي في وقت أشارت فيه وسائل إعلام تركية أول من أمس إلى قيام جهاز المخابرات التركية بتفكيك خلية تابعة لإيران تتكون من 17 فردًا تتجسس للقيام بأعمال خطف واغتيالات. بعد يوم واحد فقط من هذا الإعلان، تمّ الكشف عن إحباط المخابرات التركية بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية مخططا إيرانيا لإغتيال رجل أعمال إسرائيلي في تركيا. ماذا يعني كل ذلك؟ 

بسبب التهديدات التي تمثّلها، تخلق إيران اليوم مساحة إضافية مشتركة من التعاون بين تركيا وبلدان الخليج. وبغض النظر عمّا إذا كانت هذه التهديدات التي تمثّلها طهران هي ذات طابع أمني ـ داخلي كأعمال التجنيد والتجسس والاغتيال والتخريب، أو ذات طابع أمني ـ خارجي كالتهديد باستخدام الميليشيات الشيعية أو التهديد باستخدام المسيرات والصواريخ البالستيّة، فإن جميع هذه الأنواع من التهديدات المشتركة تبدو بمثابة عامل مساعد على التقارب بين تركيا والإمارات والسعودية سيما أنّها تخلق مصلحة مشتركة بمواجهة هذا التهديد المتعاظم.

هناك دول أخرى قد تستفيد من التصرّف الإيراني هذا، إذ قد تدفع التهديدات الأمنيّة ضد تركيا ودول الخليج إلى دخول أطراف ثالثة لديها مصلحة أيضاً. من الأطراف المعنيّة بهذا الموضوع كل من إسرائيل وباكستان. إسرائيل ستستغل هذه التهديدات لتعزيز التعاون على المستوى الأمني مع الدول المذكورة وإن كان بأشكال مختلفة ومستويات متعددة تبعاً للبلد المعني. تل أبيب تبحث عن مثل هذه الفرص لتسويق نفسها على أنّها شريف مفيد على الأقل من الناحية المعلوماتيّة والاستخباراتية، وأنّ باستطاعتها التعاون فيما يفيد تمتين العلاقات بين جميع الأطراف المعنيّة. 

باكستان هي الأخرى كانت عالقة حتى وقتٍ قريب بين ثلاثة محاور تحاول الموازنة بينها. محور تركيا ومحور السعودية ومحور إيران. أعفاها إتفاق العلا بداية العام الماضي، بالإضافة الى تسارع عمليات التقارب داخل دول مجلس التعاون الخليجي وبين دول المجلس وتركيا من حسابات صعبة، وأصبح بمقدورها اليوم التعاون بأريحية مع الجانب التركي والسعودي. الملفت للنظر أنّ الجانب الإيراني لم يعف إيران من التهديدات. فقد كشفت باكستان هي الأخرى الأسبوع الماضي عن خلية تجسس تعمل لصالح إيران وتقوم بتبييض الأموال لدعم الجماعات الموالية لإيران داخل باكستان. 

وهناك بعض المعلومات التي تفيد بأنّ مسؤولاً سعودياً بحث مع الباكستانيين مؤخراً إمكانية مساهمة باكستان بلواء من قواتها المسلحة للدفاع عن المملكة العربية السعودية في ظل التهديدات المتزايدة من قبل جماعة الحوثي الموالية لإيران.

الغريب أنّ الجانب الإيراني قرر تهديد كل هذه الأطراف في وقت واحد دون الأخذ بعين الإعتبار أنّ عمله قد يوحّدها، وهو ما يعني إمّا أنّه يتوقّع ألاّ يحصل تعاون وثيق بين الأطراف المعنية بسبب الخلفيات والأهداف المختلفة، أو أنّه يعرف ذلك ولكنّه لا يخشى التداعيات لأنه قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى صفقة مع الولايات المتّحدة من شأنها أن تحصّن من موقعه الإقليمي وتمدّه بمزيد من الثقة والقوّة على المستوى الإقليمي. أيّاً يكن الأمر، فقد لا نضطر إلى الانتظار طويلا للتحقق من مثل هذه الفرضيات.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس