ترك برس

كشف الأكاديمي التركي جنغيز طومار، أسباب تباين مواقف الدول العربية، إزاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

طومار وهو وكيل رئيس جامعة أحمد يسوي التركية الكازاخستانية الدولية، قال إنه وفي أعقاب تغيّر الإدارة الأمريكية، تراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، وباتت إدارة الرئيس جو بايدن منشغلة بدرجة أكبر بروسيا والصين، ما أدى إلى تغيّر سياسات حكومات الشرق الأوسط، وتراجع زخم الأخبار المتعلقة بالمنطقة فجأة بفعل الاحتلال الروسي لأوكرانيا، بعد أن كانت المنطقة لأكثر من عقد كامل، مادة رئيسية للأخبار.

وأضاف في مقال تحليلي له نشرته وكالة الأناضول، أنه "من غير الممكن الإجابة بجواب واحد للسؤال حول موقف الدول العربية من الأزمة الأوكرانية – الروسية. لأننا عندما نذكر العرب فإننا لا نعني بذلك بنية واحدة. بل 22 دولة، ومساحة ممتدة على أكثر من 13 مليون كيلو متر مربع، وتجمّع سكاني يبلغ نحو 450 مليون نسمة. وبطبيعة الحال فإن المواقف تجاه هذه الأزمة ستكون متباينة."

وفيما يلي النص الكامل للمقال التحليلي:

يمكن تلخيص مواقف الحكومات العربية من الأزمة الروسية – الأوكرانية في 3 فئات: في الوقت الذي كانت فيه دمشق الخاضعة للنفوذ الروسي، العاصمة العربية الوحيدة التي تدعم احتلال أوكرانيا، فإن البعض الآخر من الدول العربية اتخذت و"بصوت منخفض" مواقف مشابهة لمواقف نظيراتها الأمريكية والأوروبية، فيما دفنت الحكومات الأخرى رؤوسها بالكامل في الرمال.

سوريا

كان النظام السوري الخاضع لنفوذ روسيا، الداعم الوحيد في الشرق الأوسط، لموسكو في الأزمة الأوكرانية.

وكان النظام قدم مقترحاً أيضاً في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، للاعتراف بـ "دونيتسك" كجمهورية مستقلة. فيما كان الإعلام الموالي للنظام يذكر هذه المنطقة أساساً بـ "جمهورية دونيتسك".

وعقب بدء الاحتلال الروسي لأوكرانيا، وصف بشار الأسد الاحتلال الروسي بـ "تصحيح للتاريخ وإعادة التوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي".

وأضاف أن "العدو الذي يجابهه الجيشان السوري والروسي واحد، ففي سوريا هو تطرف وفي أوكرانيا هو نازية"، زاعماً أن كل ما يحصل هو بسبب التكتيكيات القذرة للغرب ولحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأن روسيا محقة بممارساتها أمام المواقف التوسعية للناتو".

من جهة أخرى، بدأت الأخبار تتوالى مؤخراً حول اعتزام روسيا نقل مقاتلين من ذوي الخبرة، من سوريا إلى أوكرانيا. وفي حال تحقق ذلك، قد تقاتل سوريا في أوكرانيا بصفة "وكيل."

الخليج

اتخذت الدول الـ 6 الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهي الحلفاء الطبيعيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مواقف متباينة أيضاً بشكل عام، إلا أنها لم ترفع صوتها ضد روسيا بالقدر المتوقع منها.

السعودية التي تعدّ الزعيم الطبيعي لدول الخليج العربي، أكدت على ضرورة تكثيف الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الأوكرانية عبر الطرق الدبلوماسية.

ولم تتخذ الرياض موقفاً قوياً ضد موسكو بالقدر المطلوب منها أمريكياً، حيث لم تذهب أبعد من الإعراب عن أملها واستعدادها للوساطة بين روسيا وأوكرانيا.

الأكثر من ذلك، فقد رفضت السعودية طلباً أمريكياً بزيادة كمية إنتاج النفط للحيلولة دون المزيد من ارتفاع سعر النفط الخام، مبررة رفضها هذه باتفاقية "أوبك – روسيا" المبرمة عام 2020.

بدورها، قامت الإمارات العربية المتحدة، الدولة المؤثرة الأخرى في الخليج العربي، وعلى لسان وزير خارجيتها بالتأكيد على علاقات الصداقة والتعاون العميقة بين بلاده وروسيا. كما تهرّبت أبو ظبي من التصويت لصالح قرار مدعوم أمريكياً في مجلس الأمن يطالب "روسيا بمغادرة الأراضي الأوكرانية فوراً."

أما الدول الخليجية الأخرى المتمثلة في سلطنة عُمان، والبحرين وقطر، فقد أوضحت أنها "تتابع الأزمة الأوكرانية بقلق"، مكتفية بتوجيه الدعوات الدبلوماسية لحل الأزمة بأقرب وقت عبر المباحثات الدبلوماسية، مطالبة بتخفيض التوتر.

من جهتها، أدلت الكويت صاحبة السياسات المستقلة في الخليج العربي، بتصريحات أكثر صرامة "تدافع عن وحدة وسيادة الأراضي الأوكرانية"، و"تعارض تغيير الحدود باستخدام القوة" و"تؤكد على ضرورة حماية المدنيين."

هذه الدول الــ 5 الحليفة للولايات المتحدة في الخليج، ربما لجأت إلى الإدلاء بتصريحات هزيلة كهذه، كردة فعل على بايدن لتركه منطقة الشرق الأوسط لوحدها، وبسبب مساعي واشنطن للتوافق مع إيران. أما تصريحات الكويت الأكثر صرامة نسبياً، ربما تنبع من الصدمة الناتجة عن تعرض أراضيها - مثل أوكرانيا - للاحتلال سابقاً من قبل الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين.

الدول العربية الأخرى

أعلنت مصر التي تستورد القمح بكميات كبيرة من روسيا وأوكرانيا معاً، وتعدّ رائدة العالم العربي على الأصعدة السياسية، والعسكرية والثقافية، فضلاً عن تجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، عن متابعتها المستجدات بقلق، مؤكدة ضرورة إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة.

إلا أن القاهرة لم تتبنّ مقاربة جديرة بالأهمية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، بسبب المصاعب التي تواجهها والناجمة سواء عن روابطها التجارية أو بسبب انشغالها بمشاكلها الداخلية.

أكثر المواقف صرامة حول الأزمة الأوكرانية، صدرت من لبنان الذي يعدّ أحد دول الشرق الأوسط الصغيرة من حيث الحجم، لكنها الكبيرة من ناحية الأهمية السياسية والثقافية.

ففي رسالتها يوم 24 فبراير/ شباط الماضي، نددت وزارة الخارجية اللبنانية باحتلال الأراضي الأوكرانية من قبل روسيا، مطالبة موسكو بوقف فوري لعملياتها العسكرية وسحب جنودها من أوكرانيا، والعمل على حل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية.

مقابل هذه التصريحات التي تعرضت للانتقاد سواء من قبل السفارة الروسية في بيروت ومن قبل بعض نوّاب البرلمان، قال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الأزمة الأوكرانية، معرباً عن دعمه للاحتلال عبر الإشارة إلى حق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي.

أما الرئيس اللبناني، ميشيل عون فقد أكد على معارضتهم لجميع التدخلات العسكرية تجاه الدول المستقلة. ووصف عون الاحتلال الروسي بأنه اعتداء على استقلال وسيادة أوكرانيا، مشيراً إلى تعرّض بلاده أيضاً للاحتلال الإسرائيلي عام 1982.

بدوره، أعلن وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وأحد الشخصيات الهامة في الساحة السياسية اللبنانية، عن تضامنه مع أوكرانيا. وبهذا يكون لبنان أحد البلدان التي عارضت بقوة احتلال روسيا لأوكرانيا، باستثناء حزب الله.

وفي موقف مشابه للموقف اللبناني، أكد مسؤولون عراقيون أيضاً، بأن الاحتلال الروسي لأوكرانيا غير مقبول، لافتين الانتباه الى ما عاشته بلادهم في الماضي القريب. كما اتخذ العراق خطوات اقتصادية مماثلة لنظيراتها في البلدان الغربية.

الدول غير العربية في المنطقة

عند النظر إلى الدول غير العربية في المنطقة، يمكن القول إن تركيا وإسرائيل انتهجتا سياسة حياد فعّالة، عبر الوقوف بجانب أوكرانيا مع عدم تجاهلهما روسيا.

إسرائيل التي لها نفوذ موسوي واسع في أوكرانيا، دافعت في كافة البيانات التي أصدرتها، عن وحدة الأراضي الأوكرانية دون التطرق إلى روسيا. كما أرسلت مساعدات إنسانية كبيرة ومشفى ميداني إلى المنطقة.

أما تركيا التي برزت بجهودها الرامية للوساطة بين موسكو وكييف، ونجحت في عقد لقاء بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في أنطاليا، فقد واصلت التأكيد من جهة على وحدة وسيادة الأراضي الأوكرانية، ومن جهة أخرى بدأت بتطبيق أحكام اتفاقية مونترو للمضائق البحرية.

وانتهجت أنقرة التي أرسلت أيضاً مساعدات إنسانية ومشفى ميداني إلى المنطقة، سياسة موازنة تحرص بدرجة كبيرة على عدم الإضرار بعلاقاتها مع موسكو.

بدورها، قامت إيران البلد الآخر غير العربي في الشرق الأوسط، وكما كان متوقعاً، بتحميل الولايات المتحدة وسياسات "ناتو" التوسعية، مسؤولية الأزمة الحالية.

في الخلاصة، تنتهج دول المنطقة سياسة توازن بين الولايات المتحدة وروسيا التي برزت للمشهد عبر سوريا وليبيا، من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. هذا وتعرض علاقات العديد من بلدان الشرق الأوسط، مع أوكرانيا وروسيا معاً، لأضرار في قطاعات البترول، والغاز الطبيعي، والسياحة والمواد الغذائية. وسيتسبب استمرار الحرب بآثار اقتصادية سلبية على المدى الطويل في الشرق الأوسط، بالرغم من أن دول الخليج المنتجة للنفط، مستفيدة من الوضع الراهن حالياً بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!