د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

أ - استشهاد حارثة بن سُراقة رضي الله عنه:

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: أُصيب حارثةُ يومٍ بدرٍ، وهو غلامٌ، فجاءت أمُّه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله! قد عرفت منزلةَ حارثةَ منِّي، فإن يكن في الجنَّة؛ أصبرْ، وأحتسبْ، وإن تكن الأخرى، ترَ ما أصنعُ؟ فقال: «ويحكِ! أَوَهَبِلْتِ! أَوجَنَّةٌ واحدةٌ هي؟ إنَّها جنانٌ كثيرةٌ، وإنَّه في جنة الفردوس» وفي روايةٍ: «يا أمَّ حارثةَ! إنَّها جنان في الجنَّة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى».(حوى، 1998،1/475)

ب - استشهاد عوف بن الحارث رضي الله عنه:

قال ابن إسحاق: حدَّثني عاصم بن عمرو بن قتادة: أنَّ عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول الله! ما يُضحِكُ الرَّبَّ من عبده؟ قال: «غمسْةُ يده في العدوِّ حاسراً» فنزع درعاً كانت عليه، فقذفها، ثمَّ أخذ سيفه، فقاتل القوم حتَّى قُتل.

وهذا الخبر يدلُّ على قوَّة ارتباط الصَّحابة الكرام بالآخرة، وحرصهم على رضوان الله تعالى، ولذلك انطلق عوف بن الحارث رضي الله عنه كالسَّهم، وهو حاسرٌ غير متدرِّعٍ يثخن في الأعداء، حتَّى أكرمه الله بالشهادة، لقد تغيَّرت مفاهيم المجتمع الجديد، وتعلَّق أفراده بالآخرة، وأصبحوا حريصين على مرضاته، بعد أن كان جُلَّ همِّهم أن تتحدث النساءُ عن بطولاتهم، ويرضى سيد القبيلة عنهم، وتُنشد الأشعار في شجاعتهم.(الغضيان، 1998، 2/31).

ج - استشهاد سعد بن خيثمة، ثمَّ أبيه رضي الله عنهما:

قال الحافظ بن حجر: قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: استهم يوم بدر سعد بن خيثمة، وأبوه، فخرج سهم سعدٍ، فقال له أبوه: يا بُنيَّ! اثرني اليوم، فقال سعد: يا أبتِ! لو كان غير الجنَّة؛ فعلت، فخرج سعدٌ إلى بدرٍ، فقُتل بها، وقتل أبوه خيثمة يوم أُحُدٍ.

وهذا الخبر يُعطي صورةً مشرقةً عن بيوتات الصَّحابة في تنافسهم، وتسابقهم على الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فهذا سعد بن خيثمة، ووالده لا يستطيعان الخروج معاً؛ لاحتياج أسرتهما لبقاء أحدهما، فلم يتنازل أحدهما عن الخروج رغبةً في نيل الشَّهادة، حتَّى اضطروا إلى الاقتراع بينهما، فكان الخروج من نصيب سعدٍ رضي الله عنهما ، وكان الابن في غاية الأدب مع والده ؛ ولكنَّه كان مشتاقاً إلى الجنَّة ، فأجاب بهذا الجواب البليغ: «يا أبتِ! لو كان غير الجنَّة فعلتُ».(الحميدي، 1997، 4/87)

د - دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة:

عن عائشة رضي الله عنها في حديثها عن طرح قتلى قريش في القَلِيب بعد معركة بدرٍ، قالت: فلـمَّا أمر بهم، فسُحبوا؛ عُرِفَ في وجه أبي حذيفة بن عتبة الكراهية، وأبوه يُسحب إلى القَليب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا حذيفة! والله لكأنَّه ساءك ما كان في أبيك؟» فقال: والله يا رسول الله! ما شككت في الله، وفي رسول الله، ولكن إن كان حليماً سديداً ذا رأيٍ، فكنت أرجو ألا يموتَ حتَّى يهديه الله - عزَّ وجلَّ - إلى الإسلام، فلـمَّا رأيت: أنَّه قد فات ذلك، ووقع حيث وقع؛ أحزنني ذلك! قال: فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.

إنَّ هذا الموقف يبيِّن قوة التَّجاذب بين الإيمان في ذِرْوَةَ اليقين، والعاطفة البشرَّية في قمَّة الوفاء النَّبويِّ؛ فالإيمان لا يُميت المشاعر البشريَّة؛ ولكنَّه يهذِّبها، فيحوِّلها من عصبيةٍ جاهليَّةٍ، إلى وفاءٍ لا ينكره المنهج الرَّبَّانيُّ في تطبيقه العمليِّ؛ فإيمان أبي حذيفة رضي الله عنه إيمانٌ لا تهزُّه زلازل الأحداث، فهو إذ يرى أباه يُقتل في أشراف قريشٍ كافراً، ويُلقى معهم في قَلِيب بدرٍ؛ يأخذه أسف العاطفة البشريَّة وفاءً لهذا الأب، ويظلُّ أبو حذيفة مُزَمَّلاً بإيمانه الرَّاسخ رسوخ الأَطْوَاد الشَّامخات، فلا يزيد على أن يعتريه الاكتئاب على ما فات أباه من خيرٍ يرجوه له بالهداية إلى الإسلام؛ ولهذا المقصد النَّبيل الَّذي آثار حزن أبي حذيفة، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيرٍ.(الحميدي، 1997، 4/174)

هـ  عُمَيْر بن أبي وقَّاص: لـمَّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ، وعُرض عليه جيش بدرٍ؛ ردَّ عُمَيْر ابن أبي وقَّاص، فبكى عميرٌ، فأجازه، فعقد عليه حمائل سيفه، ولقد كان عُمَيْر يتوارى حتَّى لا يراه  رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد: رأيت أخي عُمَيْر بن أبي وقَّاص قبل أن يعرضنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ ! قال: إنِّي أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيستصغرَني، ويردَّني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشَّهادة. وقد استُشهد بالفعل.


مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه/2004م، صص 670-672

عبد العزيز الحميدي، التَّاريخ الإسلاميُّ مواقف وعبرٌ، ، دار الدَّعوة - الإسكندريَّة، 1418 هـ  1997 م.

محمَّد الصَّادق عرجون، محمَّد رسول الله، دار القلم، الطَّبعة الثانية، 1415 هـ  1995 م.

منير الغضبان، التَّربية القياديَّة دار الوفاء - المنصورة، الطَّبعة الأولى، 1418 هـ  1998 م.

سعيد حوَّى، الأساس في السُّنَّة، وفقهها دار السَّلام بمصر، 1409 هـ  1989 م

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس