د. علي حسين باكير - عربي21

أعلن حزب العدالة والتنمية خلال الأسبوع المنصرم عن برنامجه الانتخابي وقوائم مرشّحيه، وقد بلغ حجم البرنامج الانتخابي حوالي 500 صفحة، وهو قرابة ضعفي البرنامج الانتخابي المعلن للمعارضة. وعد أردوغان في هذا البرنامج بتخفيض حجم التضخم وزيادة حجم نمو الاقتصاد وتعزيز النظام الرئاسي بما يلائم مئوية تأسيس تركيا. الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المحلية تشكّل اليوم جزءًا أساسياً من حملة حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي يزعج كثيرين في المعارضة نظراً لقدرة الموضوع على جذب الشباب وإظهار الدولة وموارد المجتمع البشرية بمظهر القوي المستقل الذي يتقدّم تكنولوجياً وصناعياً بقفزات كبيرة بالرغم من المصاعب والعقبات والضغوط التي يتم ممارستها على البلاد.

وفي هذا السياق، وعد الحزب ناخبيه بزيادة صادرات الصناعات الدفاعية إلى 15 مليار دولار، والاستثمار في شبكة الهاتف وخطوط الإنترنت السريع وبناء نظام سكة حديد للقطار فائق السرعة. ولإعطاء هذه الوعود مصداقية، تم التركيز على المنجزات التي جرى تحقيقها خلال الفترة الماضية من بينها السيارة الوطنية توغ، وتدشين أول حاملة طائرات مسيّرة في العالم (تي سي جي أناضول) ودخولها الخدمة، بالإضافة إلى المسيرات على أنواعها ومن بينها مسيّرة "بيرقدار تي بي 3" ومسيرة "قزل ألما" الهجومية، لكن يبقى السؤال: هل ستنجح الحملة في استقطاب المزيد من الشباب؟

6.7 مليون!

بحسب بعض التقارير، هناك اليوم حوالي 6.7 مليون ناخب تركي ممّن يحق لهم الانتخاب كانوا قد ولدوا بعد العام 2000. هذا يعني أنّ هؤلاء لم يسبق لهم أن شاهدوا أي أحد في السلطة باستثناء حزب العدالة والتنمية. علاوةً على ذلك، لم يتسنّ لهذه الشريحة الفرصة لتقييم أي منافس من خلال الأداء السياسي، أو رؤية الوضع المزري للبلاد على عدد من المستويات من بينها الصحة والخدمات العامة والأمن قبل العام 2002.

قبل ذلك التاريخ، كانت تركيا تغرق اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وكان الجيش يلعب دوراً أساسياً في السياسية وتحديد الأدوار السياسية للأحزاب ورسم إطار الحياة السياسية بشكل عام في البلاد. فضلاً عن ذلك، كان يتم اضطهاد المواطنين المحافظين والتمييز ضدّهم على مختلف المستويات بحجّة حماية العلمانية. وفي السياسية الخارجية، كان ينظر إلى تركيا على أنّها مجرّد تابع لأمريكا وإسرائيل، وأنّها تقف ذليلة على باب الاتحاد الأوروبي تنتظر أن يمنّ عليها بشيء.

شريحة من هؤلاء تريد أن ترى تغييراً سياسياً في البلاد اليوم بغض النظر عن شكله أو ربما مضمونه. هؤلاء لا يهمهم من سيحل محلّ القائم حالياً، هم يريدون التغيير فقط، ولم يسمعوا بأنّ على المرء أن يحذر ممّا يتمناه أحياناً، فقد يصاب بخيبة أمل عندما يتحقق له ما يريد.

الشعوب والكردستاني والإرهاب

في تغريدة له مؤخراً، قال الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) صلاح الدين دميرطاش ـ الذي يقبع في السجن منذ العام 2016 بسبب تحريضه على حمل السلاح من بين أمور أخرى ـ سنفعل كل ما بوسعنا لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا بعد انتهاء حكم حزب العدالة والتنمية. وكان حزب العمّال قد أعلن مؤخراً أنّه سيمدد قراره التوقف عن العمليات إلى ما بعد الانتخابات القادمة. ويعد حزّب العمال الكردستاني واحداً من أسوأ الجماعات الإرهابية المصنفة على قوائم الإرهاب في تركيا والولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وعدد من البلدان، وذلك بسبب مسؤوليته عن مقتل عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك خلال العقود الماضية.

ولاقت تغريدة دميرطاش ردود فعل مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن كان لافتاً أنّ يتساءل بعضهم "كيف له أن ينزع سلاحه إذا لم يكن متواطئاً معه منذ البداية؟"، فيما أشار البعض الآخر إلى أنّ هذا التصريح دليل على أنّ إرهاب حزب العمّال الكردستاني إنّما يُستخدم لتقويض حكم حزب العدالة والتنمية. وحقيقة أنّه لم يترشّح أي كردي للانتخابات الرئاسية هذه المرّة، فهذا يعني أنّ حزب الشعوب الديمقراطية يريد من غالبية الكتلة الكردية أن تصوت في صندوق المعارضة التركية.

تحالف غير معلن!

انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني لتعهده بالإفراج عن السجناء المدانين بتهم الإرهاب، بمن فيهم رئيس الحزب السابق صلاح الدين دميرطاش، مشيراً إلى أنه يثق في أنّ الأمة التركية لن تسمح لمؤيدي الإرهاب بالخروج منتصرين في الانتخابات.

وكان النائب السابق عن حزب الشعوب الديمقراطي سيري ساكيك قد كشف مؤخرًا أن الحزب يخطط لعفو عام إذا فاز في الانتخابات، وحث رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو على الكشف عن ما يناقشونه خلف الأبواب المغلقة.

وبالرغم من أنّ حزب الشعوب الديمقراطي ليس جزءًا من التحالف الرسمي المعلن للطاولة السداسية والذي يقوده حزب الشعب الجمهوري، إلاّ أنّ تصريحات مسؤوليه وأعضائه فضلاً عن سلوكه الانتخابي يكشف عن وجود تحالف غير معلن مع تحالف الأمّة المعارض. قد يتساءل البعض، لماذا؟ الجواب هو أنّ التحالف غير المعلن يحرم حزب العدالة والتنمية من ورقة مهاجمة المعارضة بتهمة التحالف مع حزب يدعم الإرهاب. علاوةً على ذلك، فإن التحالف غير المعلن يساعد على تماسك أعضاء الطاولة السداسية، خاصّة أنّ الحزب "الجيّد" القومي يعتبر حزباً مناوئاً لحزب الشعوب الكردي.

التمسك بترشيح كيليتشدار أوغلو هدفه بالدرجة الأولى الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الأكراد المنضوين تحت لواء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي والذين عادة ما يصوتون ككتلة واحدة ويعتقد أنّ تصويتهم سيكون حاسماً إذا ما استطاع كيليتشدار أوغلو حصد كل الأصوات التي يقول إنّه عازم على حصدها من تحالف الأمّة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس