
ترك برس
في خطوة مثيرة للجدل، كشفت تفاصيل جديدة عن محاولة إيران تهريب محفوظ ولد الوالد، المفتي السابق لتنظيم القاعدة، إلى تركيا بعد سنوات من احتجازه ومراقبته في طهران. ورغم المراقبة المشددة والقيود المستمرة، نجح ولد الوالد في الفرار بطريقة حذرة ومعقدة، مستفيداً من ثغرات في الرقابة الإيرانية وتنسيق دبلوماسي مع موريتانيا، ليضع نهاية لعقد من الإقامة القسرية ويعود إلى بلاده في مارس 2012.
وبعد هروب إيمان، ابنة مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، من المجمع الذي كانت محتجزة فيه بالعاصة الإيرانية طهران، مع المقاتلين الفارين من أفغانستان وعائلاتهم، أنكر الإيرانيون أي معرفة لهم بها.
كان هذا في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، وقبلها بشهور كان سعد بن لادن قد هرب من سجن في مدينة يزد الإيرانية ووصل إلى مدينة وزيرستان الباكستانية، بعدما تعرض المقاتلون المحتجزون وعائلاتهم في سجون إيران للضرب، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
وأمام تأكيد السعوديين الذين احتمت ابنة بن لادن بسفارتهم في طهران، اعترف الإيرانيون بغياب "امرأة مجهولة الهوية من أحد المجمعات السكنية"، حسب ما أكده المفتي السابق للقاعدة محفوظ ولد الوالد، خلال برنامج "مع تيسير".
وكان السعوديون يحاولون معرفة كل ما لدى الفتاة من معلومات، في حين كان الإيرانيون قلقين من هذا، مما دفعهم لحلحلة قضية المقاتلين الذين أمضوا سنينا في سجونهم رغم أنهم وصلوا إلى إيران كضيوف.
وأمضت إيمان بنت لادن 4 أشهر في السفارة السعودية بطهران قبل أن تصل أمها من سوريا لاستلامها، وقد دفع هذا التطور الإيرانيين لإطلاق سراح بكر بن لادن (شقيق إيمان)، وأرسلوه لأمه في سوريا بعد نحو 40 يوما.
ولم تكن زوجة بن لادن قد رأت أولادها الموجودين في إيران منذ غادرت أفغانستان عام 2001، ومع ذلك رفض الإيرانيون السماح لها بلقائهم عندما وصلت لاستلام إيمان، حسب ما أكده ولد الوالد.
السماح للمعتقلين بالسفر
وبعد هذه الواقعة، سمح الإيرانيون لمن تبقى من أسرة بن لادن بالسفر إلى سوريا تباعا، باستثناء حمزة وأمه اللذين سافرا إلى باكستان.
وكان تنظيم القاعدة قد اختطف دبلوماسيا إيرانيا في مدينة بيشاور الباكستانية عام 2008، واشترط إطلاق سراح بعض المعتقلين في إيران وفي مقدمتهم أسرة بن لادن، بيد أن الإيرانيين لم يوفوا بهذا الاتفاق إلا عندما هربت إيمان، وفق ولد الوالد الذي قال إنه استقى هذه المعلومات بعد عودته لموريتانيا.
وحينئذ، سُمح لبعض المقاتلين الذين قضوا سنوات محتجزين في إيران بالسفر إلى دول أخرى كنتيجة لهروب ابنة بن لادن التي يقول مفتي القاعدة السابق إنها "فضحت ما فعله الإيرانيون بالمقاتلين الذين أعطوهم عهدا بالأمان".
ولم يعد لدى الإيرانيين مانع من سفر من يريد السفر من المقاتلين غير المطلوبين، وهم ولد الوالد و5 آخرون من قادة الجهاد. وقد رفض ولد الوالد الخروج من طهران للالتحاق بالقاعدة في باكستان مجددا، لأنه كان قد أنهى علاقته بالتنظيم.
العودة لموريتانيا
وكان الحل الوحيد المطروح لدى ولد الوالد هو العودة إلى بلاده موريتانيا، وعلى هذا الأساس رتب نفسه على البقاء طويلا في إيران، حتى اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011، ففتح الإيرانيون باب السفر إلى دول أخرى غير باكستان.
وبدأ بعض المصريين المحتجزين السفر إلى دول أخرى، في حين طلب ولد الوالد العودة لموريتانيا التي قال لهم مرارا إنه ليست بينه وبينها خلافات، وكان قد بدأ التواصل مع بعض الشخصيات الموريتانية وحصل على موافقة مبدئية بالعودة.
وبدأت هذه الاتصالات في عام 2010، ثم تواصلت لاحقا بعد موافقة الإيرانيين على سفر ولد الوالد إلى بلاده، حيث تم نقله إلى بيت جديد لتسهيل عملية التواصل مع الطرف الآخر.
غير أن الإيرانيين كانوا يبدون تراجعا عن موقفهم كلما وجدوا أن ولد الوالد حصل على حق العودة من موريتانيا، لأنهم كانوا يخططون للاستفادة منه سلبا أو إيجابا، كما يقول.
وفي هذا البيت الجديد، قضى ولد الوالد وعائلته شهورا دون السماح له بالسفر رغم أن الإيرانيين كانوا "يخدرونه بكثير من الوعود التي لم ينفذوا منها شيئا"، فقضى شهورا أخرى على حاله.
وأمام إلحاحه بالسفر، عرض عليه الإيرانيون تهريبه إلى تركيا حيث سيسلم نفسه لسفارة نواكشوط في أنقرة ويكمل إجراءاته التي سبقه إليها غيره، دون تدخل منهم في هذا الأمر.
وكانت هذه الطريق طويلة وجبلية وشاقة فضلا عن الإجراءات المعقدة في تركيا، لكن ولد الوالد قبل بالأمر، فطلبوا منه قطع علاقته بكل من له سابقة جهاد، ونقلوه إلى بيت جديد.
ولكي يجنب أولاده مشقة الرحلة، طلب ولد الوالد تسفير زوجته وأولاده رسميا من إيران إلى موريتانيا لأنهم جميعا لم يكونوا مطلوبين، فوافق الإيرانيون، وتواصلوا مع السفارة الموريتانية في طهران ورتبوا قصة غير حقيقية، وتم رفع الأمر الى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الذي أعطى موافقته ووجه بتسهيل أمر عودة الأسرة.
قرار الفرار من الإيرانيين
وبعد وصول أولاده إلى موريتانيا، قرر ولد الوالد أنه لن يسافر تهريبا إلى تركيا لأنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد تقوم بتسليمه إلى الولايات المتحدة بحجة رفع الحرج، وكانت قد سلمت آخرين من قبل، حسب قوله.
ولكي يحرج الإيرانيين ويهيئ لنفسه مخرجا جديدا، أجرى مفتي القاعدة السابق اتصالات أخرى بموريتانيا لتأكيد مسألة عودته، وحصل من خلال بعض المشايخ على وعد من الحكومة بتسهيل عودته من أي سفارة يصل إليها.
ولأنه كان مراقبا طيلة الوقت، حصل ولد الوالد على رقم هاتف القائم بالأعمال الموريتاني في طهران، على مرات متقطعة وبطريقة لا ينتبه لها الإيرانيون، ثم بدأ التفكير في طريقة يغافل بها الحرس لكي يصل إلى مقرة السفارة.
ولم يكن مع ولد الوالد سوى حارس واحد في بيته، وكان الإيرانيون يثقون بأنه لن يفكر في الهروب أبدا "لأنه مطلوب من كل دول العالم تقريبا"، وهذا عزز لديه فكرة الهرب لأنها لم تكن متوقعة.
وهكذا، استغل مفتي القاعدة السابق فرصة خروجه للتريض في أحد مجمعات طهران، وغافل الحارس الذي دخل إلى حمام البخار، وعاد هو خارجا من المكان واستقل سيارة أجرة استعان بهاتف صاحبها ليتواصل مع القائم بالأعمال الموريتاني الذي رحب به وأبلغه بأنه في انتظاره.
وبعد ربع ساعة، وصل ولد الوالد إلى بيت القائم بالأعمال، الذي يقول إنه شعر بداخله بأنه حر بعد 10 سنوات من الرقابة المشددة. وكانت المرة الأولى أيضا التي يدخل فيها بيتا موريتانيا، وهكذا عاد إلى بلاده في مارس/آذار 2012، بعد شهرين من وصوله إلى هذا البيت.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!










