علي حسين باكير - صحيفة العرب القطرية

بالرغم من أن الإطار العام لترتيب الأحزاب الأربعة الكبرى في البلاد سيظل على الأرجح كما هو في الانتخابات القادمة، فإن المشكلة ستبقى متعلقة بالنسب التي سيسجلها كل حزب. بعض الاستطلاعات التي أجريت مؤخرا تشير إلى تراجع حزب الحركة القومية إلى المرتبة الرابعة، في مقابل استطلاعات أخرى تشير إلى تراجع النسبة التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطية الكردي. هناك انقسام واضح أيضا بين من يرى أن حزب العدالة سيحصل على الأصوات التي تخوله تشكيل الحكومة منفردا وبين من يرى أنه سيفشل في ذلك مع إشارة البعض إلى أنه سيخسر بفارق بسيط أي بفارق مقعدين أو ثلاثة مقاعد فقط. 

الأسئلة هي ذاتها تتكرر، هل يستطيع حزب الشعوب الديمقراطية خرق حاجز الـ%10 المطلوبة لدخول البرلمان؟ إذا فشل فهذا يعني على الأرجح وبشكل أوتوماتيكي تحقيق حزب العدالة لهدفه النهائي، أما إذا نجح الحزب الكردي فهذا يتوقف على مدى النسبة التي سيحققها، هل هي أعلى من السابق؟ هل هي أقل من السابق؟ هل تؤهله لعرقلة حزب العدالة والتنمية؟ هل يستطيع حزب العدالة الفوز بأصوات المحافظين من «الأكراد ومن القوميين الأتراك»؟

إذا فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق الأغلبية التي تخوله أن يشكل الحكومة منفردا هذه المرة أيضا فسنكون أمام مشهد معقد للغاية على جميع المستويات. لن يقتصر الأمر على المجال السياسي بل سيطال بالتأكيد الوضع الاقتصادي والوضع الأمني والوضع الاجتماعي في البلاد. ستتعمق حالة عدم اليقين إزاء مستقبل البلاد مما من شأنه أن يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي ويزيد من تخوف المستثمرين ويضعف من سعر الليرة ويرفع من حجم التضخم ويقلص من نسبة النمو المتوقعة.

نظريا سيكون هناك في هذا السيناريو إما مفاوضات من أجل تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية وإعادة انتخابات. لكن ما يختلف هذه المرة عن المرة السابقة أن فرص تشكيل حكومة أقلية أو انتخابات مبكرة أخرى ستصبح أقل بكثير من السابق. 

الحديث عن إعادة انتخابات مرة أخرى سيفقد الناخبين الثقة في فعالية الانتخابات وفي مدى إسهام صوت الناخب في الدفع باتجاه النتيجة التي يريدها مما من شأنه أن يقوض من الآلية التي تهدف بالأصل إلى تقوية شرعية النظام السياسي. وعليه، فإن الخيار الأرجح في هذه الحالة هو الذهاب إلى حكومة ائتلافية. 

في التجربة السابقة الأخيرة، تمسك كل من حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري بشروط غير موضوعية مقابل الموافقة على الائتلاف مع حزب العدالة والتنمية. مكمن الانتقاد هنا أن المطالب التي رفعها الحزبان كانت أكبر من الحجم الذي حققه كل منهما في الانتخابات، فالنسبة التي حصل عليها حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري لا تخول حقيقة أي منهما فرض شروط بسقف مرتفع إلى هذه الدرجة والظفر بها. لقد بدا ذلك عملية مستحيلة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية الذي وجد نفسه غير مضطر لتقديم هذه التنازلات القاسية لتشكيل حكومة ائتلافية خاصة أن لديه فرصة أخرى وهي إعادة الانتخابات.

أما وأن إعادة الانتخابات ستتم في الأول من نوفمبر، فهذا سيستنفد ورقة حزب العدالة والتنمية. سيعتمد الأمر هذه المرة في أي مفاوضات ائتلافية على المراهنة على عقلانية الطرح ومنطقيته لدى الأطراف التي ستتفاوض على الائتلاف. أما إذا لم يحصل ذلك، وعمدت باقي الأطراف إلى رفع سقف مطالبها فسيكون حزب العدالة والتنمية أمام اختبار جدي بأن تذهب البلاد إلى الفوضى أو أن يضطر إلى تقديم تنازلات قاسية لتشكيل الحكومة الائتلافية المنشودة.

حتى الآن التصريحات تشير إلى أن حزب الحركة القومية لن يتراجع عن مطالبه السابقة، وهذا ما يضعنا أمام الاحتمال الثاني في هذه الحالة وهو حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري. هناك من يشير إلى أن الأخير من الممكن له أن يبدي ليونة بشأن بعض مطالبه السابقة، وهناك من يشير أيضاً إلى إمكانية كسب بعض أعضائه مقابل مناصب، لكن كل هذه الاحتمالات تبقى في إطار التكهنات. الثابت الوحيد هو أن الصندوق سيرسم مرة أخرى معالم المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس