د. ضياء الدين الخزندار - صحيفة دنيا الوطن

تركيا الخلافة العثمانية الصمود الاسلامى

فى الوقت الحرج نعم إن تركيا تذكرنا بقيام وصعود الخلافة العثمانية فى أحرج وقت كان يمر به العالم الإسلامي حيث كان العالم الإسلامي يعاني من التفرق والتشتت والشرذمة فى نهاية الخلافة العباسية وكان يعاني من تحديات خارجية صليبية ضخمة جدا وقدر الله تعالى أن يظهر العثمانيون ليعيدوا الوحدة إلى الأمة ويعيدوا إليها الروح العسكرية الجهادية ويقفوا صخرة قوية شابة أمام الأطماع الصليبية بل ويزيدوا فى رقعة الفتح الإسلامية ويهددوا أوروبا بأسرها ويفتحوا القسطنطينية ويقفوا على أبواب فيينا وروما وهكذا لم يكن غريبا ولا عجيبا أن تتكالب القوى الصليبية وتتآمر على العثمانيين وبالتحالف مع اليهود لإضعاف تلك الخلافة التى رفضت التفريط فى فلسطين لليهود رغم كل الإغراءات ورغم كل الظروف ومع المؤامرات المستمرة ومع جهل البعض وعمالة البعض الآخر دفعت أوروبا محمد علي لإضعاف الخلافة العثمانية وإضعاف مصر فى الوقت ذاتة وانتهى الأمر بسقوط الخلافة العثمانية بعد سلسلة طويلة من المؤامرات والتحديات من كل الاتجاهات.

ولكن أوروبا كانت قد وعت الدرس وعرفت أن الروح الإسلامية فى تركيا روح مجاهدة وخطيرة على المشروع الصليبى ولذا كان لا بد من استئصال تلك الروح أو حصارها على الأقل كان لا بد من قطع الجذور الإسلامية للشعب التركي وتغريبه وعلمنته وهكذ جاء أتاتورك لينفذ الخطة الشيطانية ويقتلع أنياب الأسد حتى تستريح أوروبا من الخطر على حدودها ولكن هيهات فالجذور الإسلامية والوجدان الإسلامي للشعب التركي أقوى من أن تقتلعه رياح العلمانية وتآمر أوروبا وعمالة العسكر عاش الإسلام تحت السطح وعاشت الحركة الإسلامية فى تركيا تحت السطح رغم أنف الجميع ونبتت السيقان والأفرع من الجذور.

وظهرت حركة الإنقاذ الوطني بقيادة نجم الدين أربكان وانتشر الحجاب فى الجامعات وعاد الشباب إلى الطريق الصحيح وتآمرت أمريكا التي استلمت زمام قيادة الغرب الصليبي على الصحوة الإسلامية فى فى تركيا فجاؤوا بانقلاب عسكري سنة 1980 وتم إلغاء الحزب الإسلامي وقد شهد شاهد من أهلها على ذلك ففي كتاب عملية الجناح الذى ألفه كولدمر مراسل جريدة جمهورييت التركية فى واشنطن مستندا على أرشيف الكونجرس الأمريكي قال إن الأمريكان هم الذين رتبوا الانقلاب الذى قام به كنعان إفرين عام 1980 وبعد أن انتهى دوره طلبوا منة تسليم السلطة للسياسيين.

ولكن الحركة الإسلامية عادت إلى السطح من جديد فبالرغم من القوانين التى قيدت حقها فى تشكيل حزب سياسي وعودة حزب الإنقاذ الوطني الإسلامي استطاع أحد الشباب المغمورين الحصول على ترخيص حزب جديد هو حزب الرفاه ولم يكن بين مؤسسيه أحد من المعروفين بميولهم الإسلامية ولكن كان فى خلفية الصورة قيادات الحركة الإسلامية وعاد حزب إسلامي رغم أنف القانون والعسكر والأمريكان إلى الحياة السياسية التركية من جديد واستطاع هذا الحزب على أن يحصل على أربعة ملايين صوت فى انتخابات 1991 وهذا يساوي 62 مقعدًا برلمانيًا وفقا للقانون الانتخابي التركي وكان البرنامج الانتخابي لحزب الرفاة هو العودة إلى الإسلام ورفض التبعية والهيمنة الغربية على تركيا ومن الطريف أن حزب الرفاه حصل على كل المقاعد 7 مقاعد فى بلدة قيصري وهي بلدة يعرف أهلها بالمكر والذكاء ومعنى هذا أن الذين يعرفون حقيقة مصالحهم يصوتون لصالح الحركة الإسلامية لأنها هى التجسيد الحقيقي لآمال وطموحات الشعب التركي بحكم العقيدة والتاريخ والوجدان والمصالح أيضا.

وقد علق الدكتور نجم الدين أربكان رئيس حزب الرفاه على ذلك الأمر داعيًا الشعب التركي إلى تقليد أهالى قيصري الذين يعرفون مصالحهم جيدا. وفى تعليق آخر للدكتور نجم الدين أربكان على نتائج الانتخابات عموما قال إنها ثورة برقابة وذلك لأن نتائج الانتخابات التركية لم تعط أي حزب أغلبية مطلقة حيث حصل حزب الطريق الصحيح لسليمان ديميريل على 178 مقعدا وحصل حزب الوطن الأم حزب أوزال على 115 مقعد، وهذا يعطي فرصة كبيرة للإسلاميين ليصبحوا مفتاح اللعبة السياسية ويتمكنوا من الحصول على الكثير من المكاسب بالمشاركة في الحكومة أو عدم المشاركة على حد سواء. الصحف الغربية فى ذلك الوقت أبدت اهتماما متزايدا بالمكاسب التي حصل عليها الإسلاميون فى تلك الانتخابات، وبالطبع فهى غير مسرورة بذلك وتصفهم بالرجعيين أو الأصوليين أو غيرها من المصطلحات التى يستعملها كتاب الغرب لوصف الإسلاميين. وفي كل الأحوال فإن علينا أن ننتظر تآمرًا غربيًا وأمريكيًا على الصحوة الإسلامية فى تركيا وعلينا أيضا أن ننتظر عودة تركيا نهائيا إلى الطريق الصحيح وهو طريق الإسلام الصحيح طريق المحبة مع كل الدول العربية لأن تركيا كانت ولا زالت من أهم وأبرز بؤر الإسلام فى العالم وهى مفتاح البوابة الأوروبية الآسيوية للعالم الإسلامي والله غالب على أمره فهل يتعلم العالم العربي والعالم الإسلامي من الدرس الذى مرت بة تركيا.

عن الكاتب

د. ضياء الدين الخزندار

رئيس قسم جراحة العمود الفقري والعظام في فلسطين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس