محمد حامد - خاص ترك برس

في عام 2011 أصدر الكنيست الإسرائيلي قانونا يعرف بقانون النكبة الذي يخول لوزير المالية خفض التمويل أو الدعم الذي يمنح للمؤسسات التي تتلقى تمويلا حكوميا، في حال قيام المؤسسة بنشاط يعارض تعريف دولة إسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية" أو نشاط يعد يوم "استقلال إسرائيل أو يوم إقامة الدولة كيوم حداد".

ترفض إسرائيل الاعتراف بمأساة الشعب الفلسطيني، وطرد ملايين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، أو الاعتراف بعشرات المجازر والفظائع التي ارتكبها جيشها، وتدمير المدن الفلسطينية وتحويلها إلى مدن يهودية، ولكنها ترحب في الوقت نفسه بقرار البرلمان الألماني بالاعتراف بما يسمى مذبحة الأرمن.

حظي قرار البرلمان الألماني بتغطية واسعة في الصحافة الإسرائيلية التي وجدت، كعادتها، في هذا القرار فرصة لتوجيه أسهم النقد إلى سياسات الحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تصفه بالإسلامي الذي يسعى لإعادة أمجاد أجداده العثمانيين.

في صحيفة يسرائيل هايوم المملوكة للملياردير اليهودي الأمريكي شلدون إدلسون الداعم الأكبر لسياسات اليمين المتطرف في إسرائيل، حاول المحلل إيال زيسر أن يربط بين "مذبحة الأرمن" وبين ما وقع لليهود على يد هتلر الذي استغل صمت العالم عما حدث للأرمن لكي يفعل ما يشاء باليهود.

وكتب زيسر إن الاعتراف الألماني بمذبحة الأرمن يأتي في وقت يحتفل فيه العالم بمرور مائة عام على الحرب العالمية الثانية. وخلال هذه الحرب كنت ألمانيا والدولة العثمانية حليفين، وعبرت ألمانيا عن تأييدها لسياسة الإمبراطورية العثمانية تجاه الأرمن. وفيما بعد استغل هتلر صمت العالم تجاه "مذبحة الأرمن" دليلا على أن ألمانيا حرة لتفعل ما يحلو لها باليهود الموجودين على أراضيها.

لكن التحالف الألماني التركي، كما يرى زيسر، كان شأنا من الماضي، فألمانيا وتركيا  في الوقت الحالي في موضع مختلف تماما، لكن أردوغان والمقربين منه لم يترددوا في اتهام ألمانيا بأنها تسعى من وراء هذا القرار إلى صرف أنظار العالم عن جرائمها.

وربط المحلل الإسرائيلي بين قرار البرلمان الألماني وبين الحديث عن قرب عودة العلاقات الإسرائيلية التركية معتبرا أن ذلك رغبة تركية في الأساس بسبب العزلة التركية الحالية على النطاق الإقليمي والدولي.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو لماذا تجاهلت إسرائيل الرسمية التعليق على قرار البرلمان الألماني، وتركت المهمة للصحافة؟ هذا السؤال أجاب عنه الدكتور نمرود جورين الخبير في الشأن التركي وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية في مقابلة مع موقع القناة السابعة الإسرائيلية، فقال إن هناك ربطا في السياسة الإسرائيلية بين الجانب الأخلاقي والمصلحة السياسية، فالسياسة الإسرائيلية تعرف متى ترفض طرح موضوع للنقاش حتى لا تغضب الأتراك، ومتى تناقشه من أجل تهديد تركيا.

وخلال هذا الأسبوع عاد الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا إلى الواجهة من جديد عبر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين تضاربت أقوالهم بشأن إمكانية التوقيع خلال الأسابيع القليلة القادمة على اتفاق تسوية قريب مع تركيا ينهي قطيعة سياسية استمرت أكثر من خمس سنوات.

بدأت سلسلة تصريحات الوزراء الإسرائيليين يوم الخميس الماضي بتصريح لوزير  البناء والإسكان يؤاف جلانط أعلن فيه أن الاتفاق مع تركيا قد تمت بلورته من جميع النواحي، وأن عودة العلاقات الطبيعية مع تركيا مصلحة لإسرائيل وللولايات المتحدة وأوروبا. وتحدث الوزير الإسرائيلي عن أهمية تركيا الاستراتيجية، وأن الاتفاق معها ضروري لإسرائيل من ناحية الأمن القومي، وستكون له آثار بعيدة المدى على مجالات السياحة والاقتصاد، وعلى قطاع البناء والتشييد.

الأهمية الاقتصادية لاتفاق المصالحة مع تركيا أكدها وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي يوفال شطاينتيتس في تصريح أدلى به في اليوم نفسه لمحطة راديو بدون توقف، وقال إن الوضع الاقتصادي في إسرائيل صعب للغاية، وبعد تمهيد الطريق لتطوير حقل لفيتان عن طريق استخراج الغاز الذي يحتاج سوقا لبيعه، فإن السوق التركي أحد الأسواق الأكثر إغراء في المنطقة، ولذلك فإن لدينا مصلحة اقتصادية جبارة في اتمام الاتفاق مع تركيا. وتوقع شطاينيتس أن يوقع على الاتفاق خلال أسابيع.

لكن وزير الهجرة والاستيعاب زئيف ألكين حطم إحساس التفاؤل بعودة قريبة للعلاقات حين قال إن هناك طريقا طويلا للوصول إلى اتفاق مع تركيا، لأن الأخيرة تتعامل بشكل غير ثابت مع إسرائيل. والراجح أن كلام ألكين كان محاولة من جانبه لإرضاء الروس، حيث إنه ادلى بهذا التصريح لوكالة سبوتنيك الروسية خلال وجوده في موسكو مع رئيس الحكومة الإسرائيلية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!