محمد زاهد جول - الخليج أونلاين 

انصبّت الجهود التركية الأخيرة على التخفيف من معاناة سكان حلب المدنيين في ظل عدوان همجي إيراني على مدينة حلب السورية، حيث إن روسيا تساند المليشيات الإيرانية الطائفية في محاولة احتلال حلب عسكرياً، وإن المليشيات الإيرانية تقاتل على الأرض والطيران الحربي الروسي يغطي من الجو، وأمريكا تساندهما بمنع الأسلحة النوعية عن المقاتلين في حلب وغيرها، وتدعو في نفس الوقت المقاتلين إلى مغادرتها مثلها مثل روسيا وإيران، وكأنها شريكة لهما باحتلال حلب وقتل أهلها إذا لم يغادروها.

لذا فقد تركّز الدور التركي بتقديم عروض التفاوض بين روسيا والمعارضة السورية؛ لعلم تركيا حاجة الطرفين لهذه اللقاءات، وهو ما تم في تركيا بعدّة لقاءات توصلت في النهاية إلى اتفاق بين المعارضة السورية المسلحة في حلب وبين روسيا، لرحيل المدنيين والجرحى والمقاتلين بأسلحة خفيفة وإدخال مساعدات إنسانية إلى الأماكن التي يتم ترحيل الحلبيين إليها، سواء في ريف حلب الغربي أو في إدلب، وفي هذه المفاوضات كان دور تركيا هو الوساطة بين طرفين تعلم تركيا أنهما راغبان فعلاً في التوصل إلى حل سياسي في سوريا كلها، وليس في حلب فقط.

هذه المفاوضات تم التوافق عليها ومتابعتها عبر اتصالات مباشرة ومكثفة ومكوكية بين الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين من جهة، وبين وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو مع نظيره الإيراني جواد ظريف من جهة أخرى.

وكذلك جرت اتصالات بين وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره الأمريكي كيري، ولكن المهم والأساسي فيها هو المفاوضات بين روسيا والمعارضة السورية سواء داخل سوريا أو في تركيا، بهدف تنفيذ الاتفاق الذي يتم التوصل إليه، والذي دار حول موافقة المقاتلين على ترحيل المدنيين والجرحى أولاً، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل مخيمات في شمال سوريا تقوم المنظمات الإنسانية التركية ببنائها في شمال سوريا.

وهذه المساعي التركية الناجحة أكدها الرئيس الروسي بوتين في مؤتمره الصحفي في طوكيو بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول بقوله: إن "موسكو اتفقت مع أنقرة على إخراج المقاتلين من حلب"، وقوله: إن "التوصل إلى اتفاق في حلب يمهّد الطريق إلى هدنة طويلة الأمد".

فبوتين يعترف بأن تركيا قامت بدور مهم في هذه العملية، وأنه لا يزال يعمل عن كثب مع الرئيس التركي أردوغان لإتمام الاتفاق، وإصراره على القول بأن التفاوض مع المعارضة السورية تم بوساطة تركية، هو لتأكيد نقطة نجاح لتركيا مقارنة مع الفشل السابق الذي عانت منه روسيا بالبحث عن وفد معارضة سورية تتوصل معه إلى اتفاق، فكل وفود المعارضة التي صنعها الأسد أو إيران أو السيسي لم تُقنع روسيا بأنها تمثل شيئاً في سوريا سوى أشخاصها.

وبالنظر إلى الخسارة الكبرى التي تترتب على قبول المعارضة السورية في حلب بمغادرتها تحت التهديد الإجرامي للمليشيات الإيرانية ومليشيات الأسد لقتل كل من في حلب، وعدم وجود ممانعة ولا حماية دولية لهم من المجتمع الدولي أو من الأمم المتحدة أو الدول الكبرى، وضعف الدول العربية، فإن الموقف الذي تقوم به تركيا هو وضع الخيار مع المعارضة نفسها باتخذها القرار المناسب بنفسها، دون ضغط ولا إكراه.

مع التأكيد أن الدور التركي لن يكون أقوى من الموقف الدولي، وبالأخص الموقف الروسي والأمريكي، واللذين اتفقا على عدم تغيير النظام السوري بالقوة العسكرية، وعدم تمكين المعارضة السورية المسلحة من تولي شؤون الدولة السورية وحدها في الحل السياسي القادم، وأن رحيل الأسد ليس أولوية مع وجود تنظيمات يتفق المجتمع الدولي على وصفها بأنها تنظيمات إرهابية، ولها أولوية القضاء عليها قبل تغيير النظام السوري.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس