محمد عبد الرحمن عيسى - خاص ترك برس

شرعت في كتابة هذه التدوينة منذ فترة لم تكن قصيرة وأنا أشاهد حلقات مسلسل قيامة أرطغرل وفي خضم الأحداث والدروس التي يجسدها هذا العمل القيمي الضخم طال مني الحديث وأنا أحاول تلخيصه عقب كل حلقة.

مع نهاية الحلقة الـ88 رأيت لزاما الحديث عن شخصية محورية خطفت قلوب المتابعين لما تحمله من قيم جسدت صورة الإسلام السمحة ومبادئه.

نعم عن علي يار أتحدث طالب العلم الذي نذر حياته من أجل العلم وحده ليمضي سنوات من عمره مغتربا باحثا عن المعرفة بعيدا عن الأهل والوطن ولم يكن يوما يسعى للسيادة والحكم لكن حين عودته إلى القبيلة تفاجأ ببيئة موبوءة بالفساد والصد عن الحق فلم يركن الى الظلم أو الصمت بل بدأ بتسخير معارفه وتجاربة العلمية للوصول إلى الحقائق –إثبات سبب موت توكتاموش- وحين تجلت أمامه الحقيقة الظاهرة وهي الطمع الذي أعمى أخاه عن الحق وكبرياء والده وحقده فضلوا الصراط وزاغو عن الحق بدأ بأولى مراحل الدعوة سرا سعيا للحقيقة باحثا عن أصدقاء يوالونه في هذا الطريق فاهتدى إلى أرطغرل فجعل منه الأخ الحقيقي ضاربا بأخوة النسب والدم أرض الحائط راسما بذلك صورة عظيمة للأخٌوَة الحقيقية والصحبة والوفاء.

كما تجلت في هذه الشخصية القائد الذي يتحرك بمنطق وتفكير في العواقب فلم يعلن في البداية عن حرق أخيه للسجاد ومنعه لوصول الدليل إلى أرطغرل الأمر الذي يؤدي ساعتها إلى نشوب الحرب بين القبيلتين وهلاكها وهو ما يتمناه أعداء الأمة قديما وحديثا.

ولم يستمر في موقف الصامت عن الحق المخرس عنه بل سعى إلى الإصلاح قدر مايمكن متمثلا بالمقولة "إن لم تسطع قول الحق فلا تصفق للباطل" فلما علم أن الظلم مستمر وأن أخاه ووالده أعماهم المال والطمع والجاه وأضاعو طريقهم ولا سبيل للإصلاح أعلن موقفه بكل حزم أمام أبيه "إن استمرت خيمتك بهذا العار فاعلم أنه ليس لك ابن يدعى علي يار" مجسدا بذلك عقيدة الولاء والبراء في أعظم صوره وأعمق معانيه، الولاء للحق المتمثل في أرطغرل ونصرته والبراءة من الظلم ومحاربته ولو كان من أقرب الأقربين أكاد أجزم أن الكاتب أراد تفسير الآية:

"لَا تَجِد قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُوله وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانهمْ أَوْ عَشِيرَتهمْ..."

عمليا هنا شيء آخر لفت نظري لم يكن علي يار العالِم المنكب على دروسه وكتبه المنزوي عن العالَم كما يهوى الكثيرون ممن يلبسون رداء العلم بل جمع بين المعرفة العلمية والفروسية والشجاعة من أجل نصرة الحق بسيفه وبعلمه فهو المحارب الشجاع في المعارك والعالِم المتفقه في فنون المعرفة والقائد الذي يدير قبيلته في آن واحد، نعم هي رسالة إلى الداعية المنصرف عن الشأن العام والمعتكف للدرس أن أنزلو من أبراجكم الى الساحات واصنعوا القرار! ورسالة للسياسي الذي يزدري وجود الداعية في ساحات السياسة والإدارة على السواء.

علي يار توسم في شخص أرطغرل القائد الذي يسعى من أجل نصرة المظلومين وإعلاء كلمة الله فاتخذ منه الصاحب والقدوة والأخ الأكبر ووقف بجانبه من أجل السير في طريق الحق بل جعل منه قائدا على الرغم من أنه قائد قبيلة وهنا تتجلى معاني التواضع والزهد في المنصب بل الأعظم من ذلك كله حين طلب من أرطغرل أن يقومه بسيفه إن زاغ يوما عن العدالة ودرب الحق "إن لم أتصرف يوما بالعدالة فالتقومني بسيفك" إنها رسالةعميقة بكل ما تعنيه لكل قائد اليوم.

من الدروس المهمة في شخصية علي يار القائد الذي جمع بين الرحمة على الرعية والشدة مع الخونة والسير في طريق الحق دون افراط وتفريط في حق الله أو حقوق الرعية يقول موصيا كوتلوجا رئيس محاربيه حين فوضه لشؤون القبيلة في طريقه لإجتماع القبائل "كل شيء يقضى عليه بالإفراط والتفريط اهرب منهما مثل هروبك من الأسد" نعم الإفراط والتفريط آفتين لا زالت تعاني منها الأمة ولا سبيل للخلاص إلا بوسطية تجمع شتات الأمة دونما تمييز كما تجسدت في شخصية علي يار صورة المؤمن الذي يتمنى الشهادة في سبيل الله والجنة "دعوت ربي ألا يأخذ روحي قبل أن يراني لائقا بجنته" وحين حضرته الوفاة رسم لنا صورة المؤمن الذي أتم مهمته في الدنيا مستبشرا بلقاء ربه وترك أعباء الحياة "لقد حان الوقت لترك أعباء الحياة" ولم يترك اللحظة ليوصي صاحبه – أرطغرل- للمضي قدما في سبيل الحق وتحقيق هدفهم الوحيد وهو إعلاء كلمة الله ونصرة المظلومين.

نعم مات علي يار وبقيت أخلاقه ومآثره على لسان كل فرد في القبيلة كما مات أورال وبقيت اللعنات تلاحقه، هي الأخلاق في الدنيا التي كتبت الخلود والترحم على روح علي يار بعد موته واللعنة والهلاك على أورال. يوم غاب عن الأمة أمثال علي يار وجد آلالاف على شاكلة أورال يقتلون فينا صباح مساء ويبيعون الوطن والدين بأبخس الأثمان في سبيل مطامعهم السياسية وشهوات المال والجاه فما أكثر أشكال اورال وما أندر علي يار في عالم اليوم؟

عن الكاتب

محمد عبد الرحمن عيسى

تشادي الجنسية طالب بمرحلة البكالوريوس فى مصر جامعة القاهرة مدون في الفكر والثقافة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس