نورس العبدالله - خاص ترك برس

ما نعنيه هنا بالرقص هو مدلولاته من أفعال وتصرفات في عالم السياسة اليوم، فها هنا فرق كبير بين رقص ورقص آخر وتحديداً بين رقص العدالة والتنمية في تركيا مع الغرب وروسيا وبين رقص الأنظمة العربية لهم، فروق عديدة وكبيرة بين أن تؤدي رقصة مميتة مع الشيطان في ميدانه وساحته ولعبته التي فرضها وبين أن تكون مجرد متمايلٍ له خضوعاً وطمعاً في الرضا.

ففي الرقصة الأولى نحن أمام ساحة مؤامرات كبيرة ومصالح تتصارع بين لاعبين هم تركيا بعدما أوجدت ذاتها وبدأت باستعادة شخصيتها والسير بمشروعها وبين الغرب وروسيا في الملفين الداخلي والإقليمي، أما في الرقصة الثانية التي تشكل ثنائية مزدوجة مختلفة في الشكل واحدة في المضمون وهي رقص الأنظمة الفاسدة أمام روسيا أو أمام الغرب سعياً للرضى واستمرار العمل الوظيفي والحصول على الحماية في وجه شعوب يزداد وعيها وتكثر مطالبها وآمالها.

في الرقصة الأولى نرى صراعاً ناعماً  أحياناً وحاداً أحيانا أخرى بين أنداد في ميدان السياسة والوجود، تملك فيها تركيا الجديدة ذاتها أو تكاد تتملك وتؤدي رقصتها تلك مع الروس أحياناً ومع الغرب أحياناً أخرى دون أن يتملكها أحد أو يسيطر عليها أحد أو تخضع لإرادة أحد، فهي تلاعبهم ولا تلعب لهم وهي تجاريهم ولا تجري لأجلهم، فالرقصة هنا شبيهة باللعب مع الشياطين، مجبرة هي للمضي هكذا ليس خضوعاً وإنما مناورة، ولأنها مناورة وصراع فكثيرا ما تنتهي الجولات بخسارة أو فوز أو دون فائز أو خاسر ودونما نتائج سوى الاستمرار في سباق الزمن، وقد تنتهي الجولة بمصافحة الأطراف وسرعان ما تفتتح جولة جديدة هي أشبه برقصة الذئاب من يسقط فيها تعبا يؤكل ويموت، وقد استطاعت تركيا الشعب والسلطة حتى الآن أن لا تسقط، وصحيح أن أعداءها لم يسقطوا لكن الانتصار هنا بمضي تركيا إلى القوة والحضارة والعلم وهي تتملص من مكائد الشيطان.

أما الرقصة الثانية فهي رقصة الخنوع يؤديها التابع للمتبوع، ولا فرق هنا بين من يؤديها للروس أم للغرب أم لأي كان لاحقاً، هي رقصة تنازلات وليست رقصة في ميدان أو حلبة، في كل مرة تنتهي فيها حفلة الرقص تقدم الأنظمة مزيداً من التنازلات واللذة للسيد، كي تستمر في عملها وما أشبه عملها بعمل الجارية المقربة فعملها هذا في خدمة السيد يضمن لها استمراراً في تجبرها على الضعفاء والمساكين يضمن لها استمرارا في تسيدها عليهم وسرقة قوتهم وطعامهم، والمساكين هنا هي الشعوب التي تخضع للأنظمة هذه، وهي مساكين حرفياً لأنها  في سكون إلزامي لا يسمح لها بالحركة أصلاً وهي في يتم عن أي سند، ولا تملك في ذاتها سوى مزيداً من الاحتقار للجارية تلك وخاصة عندما يشاهدونها في حفلة الشيطان تقدم له جزءا كبيراً مما جمعته من قوتهم ومالهم وأرضهم.

وحينما يبلغ السيل الزبى وينهض المساكين معاً للوصول لحريتها وتملك قرارها وخيراتها وتعجز الأنظمة عن الصمود، تتنحى جانباً ويأتي السيد الحقيقي بجيوشه أو مؤامراته لعقابهم، فقد عجز الوكيل عن أداء المهمة فأتى الأصيل بنفسه.

ولا شيء يتغير هاهنا سوى حفلة رقص جديدة للسيد تؤديها الجارية على ضفاف بحر من دماء وآلام المساكين الذين سحقوا.

لماذا تختلف الرقصتين؟ لماذا الراقص الأول مع الشياطين هو بطل يجاريهم بما استطاع لأنه ببساطة ممثل لشعبه وحارس لماله ومصالحه، لا يحتاج لرضى أحد سوى رضا شعبه، ولا يحتاج بل يتمنى أن لا يضطر لجولة جديدة لأنه بحاجة للوقت للمضي ببلده وشعبه للحضارة والتنمية.

ولماذا الراقص الثاني هو جارية إن صح الوصف؟ لأنه يرقص للشيطان ويقدم له ما يطلب لكي يستمر في مهامه  لأنه ببساطة قاهر لشعبه وسالب لماله ولا هم له سوى مصالحه بالاستمرار، ولا مشروع حقيقي له سوى الانتصار على آمال المساكين وطموحاتهم.

عن الكاتب

نورس العبدالله

إجازة بالقانون يعمل بالنشاط الحقوقي والإنساني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس