محمد نور النمر - خاص ترك برس

على الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة التركية لتعليم أبنائها اللغة العربية، وبخاصة تدريسها لتلك اللغة في كل المراحل التعليمية كمادة اختيارية في المدارس الابتدائية والوسطى، وكمادة إجبارية في التعليم الثانوي (الأئمة والخطباء)، واعتبارها – أي اللغة العربية أو اللغة الإنكليزية - شرطاً لازماً لا يمكن بدونه إكمال الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، وبخاصة في حقل الدراسات الإسلامية المعروف باسم "كليات الإلهيات" التي تتبع لمؤسسة التعليم العالي التركية، فإن الأتراك - ومن خلال مشاهدتنا في ميدان تعليم اللغة العربية لهم - يجدون صعوبات كثيرة تقف عائقاً أمام تعلمهم للغة العربية وتكلمهم لها بشكل جيد.

وهذه الصعوبات لا تضعف عزيمتهم في تعلمهم للغة العربية، فالأتراك لهم مكتسبات ومزايا كثيرة  معها ربما تفتقد إليها الكثير من الشعوب الإسلامية الأخرى، فهي تربطهم بماض مجيد، لا يعود فقط إلى زمن العثمانيين الذين كانت حروف لغتهم من الأبجدية العربية، إنما أيضاً إلى الإسلام كدين لغته الأم هي اللغة العربية، وربما تكون معرفة القرآن والسنة النبوية وتأمل معانيهما وفهم دلالاتهما الغاية الكبرى من تعلم أكثر الأتراك للغة العربية، هذا بالإضافة إلى عدد كبير جداً من الكلمات العربية في اللغة التركية، لكن على الرغم من كل هذه المزايا يجد الأتراك صعوبات في تكلم اللغة العربية.

من هذه المشاهدات أن بعضهم يحفظ عدد اً كبيراً من الكلمات العربية من الكتب والمعاجم، بالإضافة إلى معرفة ليست بقليلة بالنحو العربي، لكنه عاجز عن التحدث بالعربية الفصيحة بأكثر من جمل محدودة بالقياس لما يملكه من الكلمات أو القواعد، حتى إن البعض يقرأ كتباً في اللغة العربية في الفقه والتفسير، ومع ذلك لا يفهم ما تقوله في حديثك معه، حتى إن كان الحديث في تلك الموضوعات نفسها، هذا بالإضافة إلى الأخطاء الكبيرة في لفظ الكلمات وقراءتها ، فعلى سبيل المثال قراءة بعضهم للسورة - الفاتحة - التي يرددها المسلم في صلاته أكثر من سبع عشرة مرة على الأقل حين يقول: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين ألعنت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وهذا عكس المقصود أي النعمة، ومن جانب آخر فإن البعض يحفظ القرآن الكريم بأكمله، وكثيراً من الأحاديث النبوية رغم أنه لا يستطيع أن يتكلم  بغيرهما في اللغة العربية، ويعاني أيضاً من المشكلة ذاتها الخطاطون الذين يرسمون مختلف الأشكال البديعة للآيات الكريمة أو الأحاديث النبوية وبكل أنواع الخط العربي، وما يثير الدهشة حقاً هو أن هناك كثراً من الأتراك يملكون معرفة جيدة بالنحو العربي، تتجلى في طريقة كتابتهم لأي كلمة باللغة العربية، فهم يضبطون كل حروفها بالحركات المناسبة، وهذه المعرفة ربما تتجاوز معرفة الكثير ممن يتكلمون اللغة العربية الفصحى في الدول العربية، ومع ذلك لا يستطيع أن يتكلم معك إلا القليل من الجمل باللغة العربية، حتى أن الأمر يطال مدرسي اللغة العربية من الأتراك في المراحل التعليمية كافة، من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الجامعي مروراً بالتعليم الثانوي وبخاصة "الأئمة والخطباء" الذين تحظى لديهم اللغة العربية بأهمية خاصة، فهم أيضاً ممن يعاني من الصعوبة ذاتها.

وهناك أسباب عديدة أدت إلى هذه المشكلة، أولها: طبيعة المناهج التعليمية التقليدية، التي تركز بالأساس على القواعد أكثر من اهتمامها بتطبيقات تلك القواعد في ميادين الحياة اليومية، من الأسرة والسوق والمطعم... الخ، وهو ما جعلها فقيرة بالحوارات اليومية التي يبدأ منها متعلمو اللغات، بالإضافة إلى أن المرافقات الإلكترونية – السي دي - تكون شكلية لا تؤدي أي وظيفة حقيقية فيها.

وثانيها: المدرسون الذين يعتمدون عل طرائق تدريس قديمة تقوم على التلقين السلبي لقواعد النحو العربي بطريقة جافة دون الاهتمام بتطبيقاته الحياتية، بالإضافة لعدم خضوعهم لدورات تعليمية خاصة بتعليم اللغة العربية للأجانب.

 وثالثها: فهو الفارق الكبير بين ما يتعلمه التركي وبين حاجته الرئيسة من تعلمه للغة العربية، ونعطي على ذلك مثالين:

الأول: أصحاب الحاجة الدينية: وهم الأكثر انتشاراً بين متعلمي اللغة العربية في تركيا، لأن تعلمها شرط أساسي لفهم الإسلام سواء تعلق الأمر بالقرآن والسنة أم تعلق الأمر بالكم الكبير جداً من النصوص التي تتناول الدين الإسلامي، من فقه وتفسير وتصوف وغيرها من الكتابات الدينية التي كتبت باللغة العربية، بينما يتعلم الأتراك اللغة العربية الحديثة التي تختلف عن لغة القرآن والسنة، والتي لا يجدون فيها ما يلبي نهمهم في معرفة الدين الإسلامي.

الثاني: أصحاب الحاجة السياحية: بكل أنواعها الدينية أو الطبيعية أو الترفيهية، فمن المعروف أن نسبة العرب وبخاصة من دول الخليج تتزايد باستمرار، وهو ما ولّد حاجة ماسة للغة العربية، لأن السياحة تسهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي التركي، لكن المشكلة أن هؤلاء السياح يتكلمون اللغة العربية باللهجة العامية التي تختلف كثيراً عن الفصحى، التي لا يتقنها الكثير من العرب، وكما هو معروف فإن أساتذة اللغة العربية في الدول العربية نفسها يلقون دروسهم باللهجة العامية، فكيف يكون حال الأتراك إذن؟ فلكل بلد لهجته أو ربما لكل قرية لهجتها الخاصة بها.

والنتيجة المهمة هي أن تعلمهم للغة العربية لا يحقق لهم التواصل المنشود سواء كان مع الحاجة الدينية أو الحاجة السياحية، وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن اللهجة العامية منتشرة أكثر بكثير من العربية الفصحى التي أضحت لغة غير متحدثة، لا توجد إلا في الخطابات الرسمية أو خطبة الجمعة أو القلة القليلة من القنوات التلفزيونية، قياساً إلى الكم الكبير من القنوات التي تتكلم اللهجة العامية التي لا يفهمها بعض العرب أنفسهم كالقنوات التونسية أو المغربية أو اللبنانية.

وعلى الرغم من كل محاولات الحكومة التركية في توفير الكوادر المتخصصة سواء من خلال إرسال البعض إلى الدول العربية لتعلمها في معاهد مختصة، أو استقدام الأساتذة العرب من ذوي الاختصاص، بالإضافة إلى فرصة الاستفادة من الوجود الكبير للاجئين السوريين في تركيا سواء في تعلمهم للغة التركية أو دورهم في تحسين تكلم اللغة العربية لدى الأتراك، فإن ذلك لا يغطي الحاجة المتزايدة للغة العربية في تركيا الحديثة الطامحة لدور حضاري جديد في المنطقة، إلا من خلال إحداث مراكز تعليمية حديثة ذات اختصاصات عديدة دينية ودبلوماسية وسياحية... الخ، تعتمد على مناهج حديثة وطرائق تدريس علمية في تعلم اللغة العربية وتكلمها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس