أسامة حساني - خاص ترك برس

كانت سحابة تلوث سوداء تغطي سماء إسطنبول، وكان أهالي المدينة محرومين من المياه التي تصل إلى منازلهم يومين في الأسبوع لمدة ساعتين فقط، وأدّى تكدّس القمامة وانتشارها في كل شوارع إسطنبول إلى انبعاث روائح كريهة في كل مكان، القرن الذهبي مستنقع ذو رائحة كريهة.

هكذا استلم رجب طيب أردوغان رئاسة بلدية اسطنبول عام 1994م، بملف مليء بالغبار ويكاد يكون من الإعجاز أن يتغير شيء. وخلال خمس سنوات استطاع أن ينهض بها من مدينة ملوثة وغارقة بالديون إلى أحد أفضل مدن العالم من حيث الإستثمارات والنمو الاقتصادي، وأكثر مدن العالم حضارةً ورقياً.

اعتاد بعض أهالي إسطنبول في التسعينات على الخروج إلى الشوارع مرتدين كمّامات نظراً لتلوث طبقات الجو بسبب الدخان المتصاعد من الأبنية السكنية نتيجة اعتماد السكّان على الفحم الحجري كوسيلة تدفئة رئيسية في فصل الشتاء بسبب عدم توفر بدائل أُخرى للتدفئة كالغاز مثلاً.

ولم تكن الحلول المطروحة لهذه المعاناة كثيرة حينها إذ كانت البلاد تمر في فترة تخبط سياسي واقتصادي، فكانت ميزانية بلدية إسطنبول مديونة بأكثر من مِليارَي دولار مما جعل معالجة مثل هذه القضايا تُشكّل تحدّياً جادّاً، كان عليه إيصال الغاز إلى المنازل دون أن يدفع شيئاً من ميزانية إسطنبول المتهالكة حينها، لذلك قرر تأسيس شركة İGDAŞ (لتشغيل وتوريد الغاز الطبيعي)، وكان على الشركة أن تستورد الغاز من روسيا.

وبما أن الأمر كان مكلفاً للغاية فقد وُفِق إلى فكرة سديدة تقضي بأن يتم التفاوض مع الأحياء الغنية في إسطنبول لدفع رسوم توصيل الغاز سنة كاملة مقدماً، وبالفعل تم الاتّفاق وتوفرت السيولة مما سمح بتوقيع عقد أولي، وفيما بعد تم توقيع العقد للطبقات المحدودة والمتوسطة بالأقساط المريحة، وتمّ توصيل خدمة الغاز عبر أنابيب تحت الأرض غطّت أكثر من 98% من المدينة، وهكذا تحولت التدفئة إلى الغاز الطبيعي عوضاً عن الفحم الحجري، وبهذا تم القضاء على أحد أهم مسببات التلوث في مدينة إسطنبول.

أحد المشاهد المعتادة في مدينة إسطنبول قبل عام 1994م وقوف السكان ضمن طوابير طويلة من أجل الحصول على الماء، إذ أن المدينة كانت تعاني من شُحٍ في المياه، فكانت المياه تصل إلى المباني السكنية يومين في الأسبوع فقط ولمدة ساعتين، لذلك حين تسلم أردوغان رئاسة البلدية أسّس شركة İSKİ التابعة لبلدية إسطنبول ثم طلب دراسة حول حاجة إسطنبول من المياه، وكان في المدينة 4 سدود حتى عندما تمتلئ فإنها لا تكفي لحاجة المدينة، لذا ظهر الحل الأمثل في بناء المزيد من السدود، وحسب الدراسة تقرر بناء 7 سدود إضافية، وتم بناء شبكة أنابيب ضخمة لنقل المياه وأخرى للصرف الصحي، ومنذ استلامه لرئاسة بلدية إسطنبول عام 1994م وإلى يومنا هذا خلال عشرين عاماً مضت لم تنقطع المياه عن مدينة اسطنبول بفضل احتياطي الماء الموجود في السدود.

هذه أمثلة عن بعض الشركات والتي بلغ عددها ما يزيد عن 24 شركة أُنّشِئت خلال رئاسته لبلدية إسطنبول، ومن خلال هذه الشركات تم القضاء على العديد من مشاكل البيئة والطاقة والمواصلات التي لطالما أرهقت إسطنبول، كما ساهمت هذه الشركات في خفض نسبة البطالة، وخلال فترة وجيزة استطاعت إسطنبول أن تخرُج من ديونها وتبدأ بجني الأرباح واستقطاب الاستثمارات وتحقيق نسب نمو متزايدة، وحين سُئِل أردوغان عن سرّ نجاحه في قلب موازين إسطنبول أجاب قائلاً: "لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه، إنّه الإيمان، لدينا الأخلاق الإسلامية، وأسوة رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام."

عن الكاتب

أسامة حساني

محرر في وسائل التواصل الإجتماعي في ترك برس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس