باسل الحاج جاسم - الحياة

طرحت قمة سوتشي الرابعة لرؤوساء الدول الضامنة في مسار أستانة السوري، (روسيا، تركيا، ايران)، العديد من القضايا والمحاور، اهمها مشكلة ادلب، واللجنة الدستورية، إضافة إلى الانسحاب الأميركي من سورية، وآلية عملية الانسحاب، بالاضافة للخطوات التي ستتخذ للحيلولة دون حدوث فراغ عقب الانسحاب الأميركي، حيث قدم كل طرف في قمة سوتشي إجابة مختلفة عن هذا السؤال، لكن المهم هو كيفية الالتقاء في نقطة مشتركة.

مسألة المنطقة الآمنة لم تكن بعيدة عن أجواء محادثات القمة، اذ لم ترحب روسيا كثيرًا في المباحثات الثنائية الأخيرة بين أنقرة وموسكو، بإقامة منطقة آمنة عميقة، وقالت إن مساحة بعمق 15-20 كم كافية، واقترحت إحياء اتفاق أضنة من أجل إزالة مخاوف تركيا الأمنية، حيث من الواضح أن مسألة إحياء اتفاق أضنة كانت حاضرة من الجانب الروسي على جدول أعمال قمة سوتشي الاخيرة ايضا .

واللافت في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو عدم دعم موسكو لأي أطراف انفصالية في سورية، ولا أي دعم للانفصاليين، ويمكن تفسير ذلك، رسالة واضحة مطمئنة لمخاوف انقرة ومن خلال إعادة التذكير ايضاً بالاتفاق الثنائي الموجود بين أنقرة ودمشق للمحاربة المشتركة للإرهاب، ومن الواضح ان بوتين أظهر استلامه رسالة أردوغان من خلال قوله: «ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي حماية التراب السوري، وهذا يسري على إدلب وعلى شرق الفرات معًا»، فموقف روسيا والسياسة التي ستتبعها بخصوص شرق الفرات مهمان للغاية، لأنهما يعنيان مستقبل سورية، وتركيا عن كثب.

لقد سمعنا كلام واضح من القادة الثلاثة اردوغان، بوتين وروحاني، حول نقطتين في هذا السياق، مدى جدية واشنطن بالانسحاب، وضرورة عدم ترك مجال للإرهابيين في ملء الفراغ في حال تم الانسحاب، حيث كان الإجماع واضحاً بين أطراف أستانة على هاتين النقطتين.

وكما كان منتظراً بحثت القمة الخطوات المتعلقة بالمرحلة المقبلة في إدلب، وعلى الأخص وضع الجماعات الراديكالية المكونة من آلاف المقاتلين الاجانب، وليس مستبعدا حصول عمل عسكري مشترك روسي تركي محدود ومدروس يستهدف نقاطاً معينة تنتشر فيها الجماعات المصنفة على قوائم الارهاب الدولي، ولاسيما الأجانب.

وترجمة التكرار الروسي في أكثر من مناسبة حول «ان عملاً عسكرياً محتملاً في ادلب، سيكون محدوداً ومدروساً»، بأنها رسالة مزدوجة لتركيا والأوروبيين، بحيث انه لن تكون هناك موجات نزوح ولجوء جديدة، اي لن يكون هناك كارثة انسانية، وكذلك لن يتم إعطاء فرصة لتسرب المقاتلين الاجانب والعودة إلى بلدانهم، وخصوصاً حاملي الجنسيات الأوروبية.

يمكن القول إن كل ما سيجري تنفيذه لاحقاً هو سبق وتم الاتفاق عليه سواء في اتفاق سوتشي الروسي، التركي الثنائي، أو في إطار أستانة، وحتى اليوم لم يتم استكمال تنفيذ بنوده، اما اللجنة الدستورية التي كانت حاضرة بدون الحديث عن تفاصيلها فقد تركت على ما يبدو لمباحثات آتية في إطار جولات استانة.

وقد يكون السؤال الاكبر اليوم هو، حول ما إذا كانت الاطراف ستلتزم تعهداتها في إدلب، لكن الإجابة ليست واضحة بالنسبة لأحد لا في روسيا ولا في تركيا على حد سواء، فلا أحد اليوم ولا على اعلى مستوى مطلع على كل شيء، ويعرف كل شيء، و لا أحد يستطيع الاقرار مسبقا بمدى الالتزام بالتعهدات التي تقدم في ظروف متغيرة، الكل يتقدم على مبدأ «خطوة خطوة»، فالجميع في حالة تجاذب مستمر فيما بينهم ومع الاطراف الاخرى ايضا.

ارسلت قمة سوتشي السورية الرابعة، رسائل عدة في أكثر من اتجاه، لعل أبرز تلك الرسائل، ان مسار أستانة ما يزال ضرورة ثلاثية مشتركة، تلتقي في شق كبير منها، مع حاجة كل السوريين في وقف الأطماع الانفصالية، الاستيطانية.

حققت الدول الثلاث (روسيا، تركيا، ايران)، تقدم في الكثير من القضايا عن طريق المفاوضات عبر مسار استانة، وتمت عرقلة الأزمات القابلة للاندلاع، ولولا ذلك، لكان من الممكن نشوب أزمات متعددة، تلحق الضرر في العلاقات بين البلدان الثلاثة، فضلًا عن زيادة تعقيدات الحرب السورية، لكن ثلاثي أستانة عرفت كيف تحافظ على المسار، وتمكنت تركيا وروسيا عبر مواقفهما المسؤولة من تقييد حركة إيران لحد كبير، رغم سلوكها العدائي بين الحين والاخر.

بالاضافة لرسالة إعادة طرح إحياء اتفاق اضنة، كمدخل لإعادة التواصل بين انقرة ودمشق ولو مبدئياً في مستويات منخفضة، إلا أنه سيكون أساساً لاعادة بناء الثقة بين العاصمتين، وضرب ثنائي للمشروع الانفصالي الاستيطاني.

الرسالة الأخرى، أن إدلب ينتظرها استكمال بنود اتفاق سوتشي، الموقع قبل أشهر، وتم وضع اللمسات الأخيرة عليها خلال زيارة وزير الدفاع الروسي لانقرة قبل قمة سوتشي بأيام، والمؤكد ان اي عمل عسكري سيبدأ في إدلب، سيترافق مع عمل آخر في منطقة سورية أخرى يسيطر عليها إرهابيون أيضاً.

وفي المحصلة يبدو ان الرسالة الاوفى قد حملت رفض كل إرهاب متطرف ديني أو انفصالي على أراضي الجمهورية العربية السورية التي أقرت ان سورية، فيها شعب سوري واحد وليس هناك شعوب سورية.

ويبقى القول، أن أطراف قمة سوتشي، أعلنوا توافقهم على حماية مسار أستانة وتطهير سورية من الإرهاب وتأسيس نظام سياسي جديد.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس