ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

مع اقتراب إتمام تركيا صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، وتأكيد الرئيس أردوغان أن بلاده ماضية قدما لإكمال شراء أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم حتى الآن، يثير الغرب أزمة مفتعلة حول الصفقة متهما تركيا بإهانة قواته المرابطة على أراضيه بحكم كون تركيا عضو في حلف الناتو، لكن السؤال: هل أرادت تركيا تعمد إهانة الناتو وزعزعة استقرار الغرب وتهديد أمنه كما تدعي الولايات المتحدة، العضو الأكبر في حلف الناتو؟

التصريحات والتحذيرات لا تتوقف منذ أن أعلنت تركيا نيتها شراء المنظومة الروسية، وكان آخرها ما صرح به كل من الكونغرس الأمريكي ووزير خارجيتها مايك بومبيو من نية بلادهم اتخاذ إجراءات عقابية في حالة متابعة تركيا لعملية الشراء، هذا التهديد تزامن مع تصريحات الإدارة التركية بأن شراء المنظومة الدفاعية لن يتعارض مع التزاماتها تجاه الناتو، إلا أن أمريكا مستمرة في تهديداتها لتركيا، قاطعة على نفسها أن توقف الصفقة بأي ثمن وأي وسيلة، وقد يكون الحديث عن السماح لتركيا تزويد المعارضة السورية بمضادات طائرات للحفاظ على إدلب، هي أحد تلك الوسائل التي تريد الإدارة الأمريكية أن توقع بها الأتراك، كما فعلت في السابق في حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية، وقد يكون ضغط أمريكا على روسيا واليونان بالتغافل عن تنقيب تركيا عن الغاز في شرق المتوسط وسيلة أخرى لإرضاء تركيا وثنيها عن إتمام الصفقة، وقد يكون الضغط الأمريكي بملفي الأكراد والأرمن بالاضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب على تركيا في الفترة الأخيرة وسائل أخرى، لتنوع أمريكا وسائلها بين العصا والجزرة، وبين سيف ترامب وذهبه تستمر تركيا في صفقتها، ويستمر ترامب في محاولاته إيقافها.

لا شك أن الصفقة التركية - الروسية عامل حقيقي لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة التي يراها الغرب حساسة في صراعه مع الشرق الذي بات يتنامى في السنوات الأخيرة، حيث يرى الغرب في تركيا خط الدفاع الأول له أمام الأطماع الروسية، على الرغم من التحولات التي حدثت منذ 1990 إلا أن هاجس التمدد الروسي مازال مسيطرا على الغرب، وعلى الرغم من وصول روسيا للمياه الدافئة بعد الثورة السورية إلا أن الغرب مازال يطمع في إعادتها، لكن وإن عادت روسيا بأسطولها فإن غازها تغلغل في أوصال أوروبا وهو ما يعني أن قواعد اللعبة كلها تتبدل، في ظل جفاء يصنعه ترامب بحرفية مع ألمانيا زعيمة أوروبا.

المخاوف الأمريكية تعدت تركيا إلى ما هو أبعد، فلقد أصبح نفوذها الذي ورثته من بريطانيا مهددا بعد الأنباء التي تتحدث عن صفقات روسية لنفس المنظومة مع كل من مصر والهند وقطر والمملكة العربية السعودية، ما يعني أن أمريكا باتت على شفا فقدان حلفاء رئيسين في العالم، وهو ما يستلزم إيقاف الصفقة الأولى حتى لا تتساقط قطع الدومينو، وتسقط معها هيبة أمريكا ويضيع إرثها، وهو ما يفسر السعي الدؤوب لأمريكا لإفشال الصفقة التركية.

أمريكا تشيع أن المنظومة الروسية لن تكون قابلة للتشغيل مع أنظمة أسلحة الناتو الحالية، كما أن  النظام الراداري الخاص بالمنظومة يستطيع أن يمّكن الجيش الروسي من معرفة كيفية عمل طائرات أف -35، فخر الصناعة العسكرية الأمريكية، وسلاحها الرادع، لذا فإن نواب من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي يدعون إلى وقف التعامل مع تركيا في مشروع الطائرة أف - 35، وهو ما يعني بالنتيجة خسارة تركيا جزء مهم من صناعتها العسكرية التي تعول عليها في المستقبل.   

الرئيس أردوغان اتصل بترامب في أواخر الشهر الماضي لمناقشة قضية S-400، لإنشاء مجموعة عمل ثنائية لتطمين الجانب الأمريكي ولدراسة كيفية تخفيف المخاطر المتوهمة والتي يشكلها نظام الأسلحة الروسي على أمريكا، لكن الأخير لم يحرك ساكنا في الأمر، ذلك لأن بلاده في الحقيقة هي سبب الأزمة من البداية، لو يعلم ترامب، بسحبها منظومة الدفاع الأمريكية باتريوت من المجال التركي، هو ما شكل خرقا على الأمن القومي التركي، فالأصل أن صانع الأزمة عليه حلها بدلا من أن يدعي الإهانة وخرق الاتفاقيات.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس