ترك برس

يتواصل تصاعد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وسط الحديث عن حشد عسكري روسي على الحدود مع أوكرانيا، وبالتالي اندلاع صراع مسلّح بين البلدين، في حين تدعو تركيا ودول أخرى إلى التهدئة وتغليب الدبلوماسية والحوار.

والسبت، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الولايات المتحدة لا تزال ترصد حشدا كبيرا للقوات الروسية قرب حدود أوكرانيا.

وفي الوقت الذي تعارض فيه تركيا وبشكل علني ضم روسيا للقرم، وتعتبره خطوة غير قانونية، فإنها غالباً ما تدعو إلى التهدئة في الصراع الروسي الغربي، مع تأكيدها على ضرورة تجنيب البحر الأسود لهذا الصراع.

كما أن تركيا صدّرت لأوكرانيا خلال السنوات الأخيرة، طائرات مسيرة من طراز "بيرقدار"، في خطوة أثارت حفيظة روسيا.

وقبل أيام، جددت تركيا على لسان المتحدث باسم رئاستها إبراهيم قالن استعدادها للوساطة بين روسيا وأوكرانيا لتخفيف التوتر بينهما.

وفي معرض إجابته على سؤال حول "ما الذي فعلته أنقرة لخفض التوتر بين روسيا وأوكرانيا؟"، يقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، إن تركيا تسعى لمنع نشوب الحرب من خلال اتصالاتها بإدارة الدولتين، مشيرا إلى أن أنقرة تستبعد حدوث حرب بين الدولتين، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت."

من جهته، قال الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو، إنه و"بينما أنقرة تمضي في تطوير علاقاتها مع موسكو، فإنها وعلى خط مواز، تتمسك بحزم بالحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وإيجاد حل لخلافاتها سلميا، إدراكا منها للدور المحوري الذي تلعبه كييف في ضمان الاستقرار والسلام في منطقة البحر الأسود".

لماذا تمثل أوكرانيا أهمية كبيرة لتركيا؟

أكدت تركيا مرارا أن تقاربها مع أوكرانيا لا يستهدف أي طرف ثالث في إشارة إلى الروس، وأفردت في السنوات الأخيرة مساحة واسعة للتعاون العسكري مع أوكرانيا؛ حيث شرع البلدان بتوقيع مذكرات للتعاون في مجال التسليح والصناعات الدفاعية.

ووفقا لرضوان أوغلو، فإن أوكرانيا مهمة لتركيا لحفظ التوازن في المنطقة. وترى الأخيرة بضرورة عدم تمدد روسيا فيها لتفادي الضرر بمصالحها مما يتسبب بعداوة بينهما. لأجل ذلك تبيع تركيا مسيّرات لبولندا وأوكرانيا.

بينما لفت عودة أوغلو إلى روابط تاريخية بين تركيا وأوكرانيا، حيث سيطرت الدولة العثمانية على جنوب أوكرانيا لقرون، إضافة إلى أن تتر القرم محسوبين على الشعب التركي. لكن الأهم برأيه، الشراكة التي تجمع البلدين في مجال التصنيع العسكري، حيث تمثل أوكرانيا مزودا للكثير من المعدات العسكرية لتركيا.

ما تداعيات تقارب تركيا مع أوكرانيا على العلاقة مع روسيا؟

طوال عام 2020، ألحقت الطائرات بدون طيار التركية هزائم كبيرة بوكلاء روسيا في سوريا وليبيا وإقليم قره باغ، ودمرت كميات كبيرة من المعدات الروسية الصنع، حسبما ورد في تقرير لموقع "موسكو تايمز".

وكانت روسيا -بعد بيع أنقرة مسيرات مقاتلة لكييف- فرضت قيودا على سفر مواطنيها لتركيا للسياحة، فيما قالت إنها خطوة مرتبطة بانتشار فيروس كورونا في تركيا، وليس للموقف التركي من الأزمة الأوكرانية.

وذكرت تقارير تركية أن تقارب تركيا وأوكرانيا لا يؤثر على ملفاتهما المشتركة، فقد قدم فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان نموذجا فريدا للعمل السياسي، فبعد المواجهات بينهما في ساحات سوريا وأذربيجان وليبيا، كان يجلس الزعيمان ويتفاوضان ويضعان حلا للنزاعات مع تهميش الأطراف الأخرى.

وفي حال دخلت تركيا الحرب مع أوكرانيا، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك سلبا على العلاقات التركية الروسية في كل الملفات؛ حيث ستشتعل الساحة السورية، وتتراجع السياحة والتبادل التجاري وتوريدات الغاز بينهما.

في حال شنت روسيا حربا على أوكرانيا؛ هل ستدعم تركيا أوكرانيا كما فعلت مع أذربيجان؟

رغم اهتمام تركيا البالغ بالأزمة الأوكرانية، وتحديها لموسكو في 3 ساحات من قبل، فإن أنقرة تعلم أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا قضية مختلفة وحساسة، كما أنه في ظل مجاورة روسيا لأوكرانيا فالميزان راجح بشكل هائل لموسكو، وفقا لعودة أوغلو.

لكن برأيه "تركيا هي الدولة الوحيدة من الناتو التي لعبت دورا في تحسين وضع كييف العسكري المزري، ومن الصعب تخيل أن الدعم التركي قد يكون فعالا في مواجهة القوى العسكرية الروسية الجبارة، وسيكون له تأثير كبير ضد المتمردين المدعومين من روسيا وفي الحرب الخفيفة المندلعة الآن بأوكرانيا".

أما رضوان أوغلو؛ فيتوقع -في حالة الحرب- أن تدعم تركيا أوكرانيا خاصة أن الناتو سيكون متواجدا بقوة ضد روسيا، وعليه فإن تركيا ملزمة بالعمل مع حلفائها، موضحا أن الملف الروسي الأوكراني مختلف عن ملف أذربيجان وأرمينيا.

وتزداد أهمية تركيا لكل الأطراف في الأزمة الأوكرانية، بسبب المضائق التركية التي تُعد الممر الوحيد لأي دعم قادم من أميركا أو من الناتو لأوكرانيا من البحر.

هل العلاقات الروسية التركية محكومة بقواعد "الصراع التوافقي"؟

يشير أونتيكوف إلى معضلة تتمثل في تقديم تركيا لنفسها كقوة إقليمية مؤثرة، بشكل يتعارض في كثير من المحطات مع المصالح الروسية. وفي المقابل ترى موسكو أن المصالح بعيدة المدى تتطلب عدم دفع الخلافات مع أنقرة إلى نقطة اللاعودة، نظرا لأهمية تركيا في التجاذب القائم بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.

بالنسبة لموسكو؛ ما الذي يعنيه تأييد تركيا لأوكرانيا في الأزمة مع روسيا؟

يعتبر أراك ستيبانيان النائب الأول لرئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية أن المقياس هنا يكمن في شكل الدعم الذي يمكن أن تقدمه تركيا لأوكرانيا؛ فإذا انحصر في الجانب السياسي والإعلامي فذلك ليس سابقة في تاريخ الأزمات بين موسكو وأنقرة.

أما في حال اتخذ الدعم التركي لأوكرانيا طابعا تسليحيا -يقول ستيبانيان- حينها ستتعامل روسيا مع تركيا كعدو، وسترد بعقوبات اقتصادية وبتعطيل عدد من المشاريع التجارية.

هل نجح الطرفان في الفصل بين الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية المشتركة؟

يؤكد ستيبانيان على أنه في حال تأزّمت الأمور بين موسكو وأنقرة بسبب كييف، فإن موسكو ستواصل التعاون مع أنقرة في "مشاريع إستراتيجية" بالغة الأهمية للطرفين، ولا سيما السيل الشمالي الذي وافقت تركيا على مده عبر أراضيها، بعد أن خضع كل من "الشقيق السلافي البلغاري" والجارة الأوكرانية للضغوط الغربية، وهو ما اعتبرته موسكو موقفا تركيا إيجابيا.

إضافة لذلك، من مصلحة موسكو الحفاظ على استمرار تركيا في شراء منظومة "إس-400" (S-400) الصاروخية، ولكن بشرط ألا تتخذ أنقرة مواقف مؤثرة ضد المصالح الروسية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!