ألطاف موتي - عربي بوست

تركيا دولة مترامية الأراضي، فهي في قارتين، أوروبا وآسيا، ولها دور محوري في الشؤون الإقليمية والدولية، هذا قدرها ومصيرها. لكن تلك الأقدار تحمل العديد من التحديات، داخلياً وخارجياً، وتؤثر في مصيرها وهويتها.

في مايو 2023، أجرت تركيا انتخاباتها الرئاسية، والتي أسفرت عن إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لولاية ثالثة. أردوغان زعيم ذو شخصية كاريزمية، غيّر المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا منذ اقتحم الساحة السياسية في مطلع الألفية الثانية. كما انتهج سياسة خارجية حازمة وطموحة، الأمر الذي جعله في كثير من الأحيان على خلاف مع حلفائه وجيرانه.

سأتناول في هذا المقال التحديات الملحة التي سيواجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ولايته الثالثة، وكيف سيحاول التغلب عليها. وسأركز على 4 تحديات رئيسية: الأزمة الاقتصادية، وأزمة اللاجئين، والانتخابات البلدية، والعلاقات مع بشار الأسد. 

أزمة اقتصادية 

واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة لأردوغان الآن، هي الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا في السنوات القليلة الماضية. وتعاني البلاد من ارتفاع معدلات التضخم ومعدلات البطالة واتساع العجز التجاري وتضاؤل ​​احتياطيات النقد الأجنبي. لم تنجح سياسة أردوغان النقدية غير التقليدية المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة والاعتماد على مقايضات العملات وضخها من الحلفاء في استقرار الليرة التركية، التي فقدت أكثر من 40% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2020. ويخشى العديد من الاقتصاديين من أن تركيا تتجه نحو أزمة في ميزان المدفوعات ما لم تستعد الثقة الدولية وتجذب الاستثمار الأجنبي.

ووعد أردوغان بهزيمة التضخم وبناء اقتصاد منتج في فترة ولايته الثالثة، لكن سيتعين عليه اتخاذ خيارات صعبة وإصلاحات لتحقيق هذا الهدف. وسيتعين عليه إما رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم والدفاع عن الليرة، أو خفض قيمة العملة لتعزيز الصادرات والقدرة التنافسية. كما سيتعين عليه معالجة المشكلات الهيكلية للاقتصاد مثل انخفاض المدخرات وارتفاع الديون وانخفاض الإنتاجية والاعتماد على الواردات. علاوة على ذلك، سيتعين عليه التعامل مع العواقب الاجتماعية للصعوبات الاقتصادية، مثل الفقر وعدم المساواة والاستياء بين الطبقة الوسطى الحضرية. ولحل هذه المعضلة، عيّن أردوغان الخبير الاقتصادي، محمد شيشمك، وزيراً للخزانة والمالية.

أزمة اللاجئين

التحدي الرئيسي الآخر لأردوغان هو أزمة اللاجئين التي نتجت عن الحرب الأهلية في سوريا وعدم الاستقرار في العراق وأفغانستان. وتستضيف تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ معظمهم سوريون فروا من العنف والاضطهاد في بلدانهم الأصلية. وفي حين تمت الإشادة بتركيا لاستجابتها الإنسانية وكرمها تجاه اللاجئين، إلا أنها واجهت أيضاً انتقادات واستياءً من بعض شرائح المجتمع التركي التي تلوم اللاجئين على أخذ الوظائف والموارد والخدمات من السكان المحليين.

وحاول أردوغان الموازنة بين الحفاظ على موقفه الإنساني والاستجابة للضغوط الشعبية لترحيل اللاجئين أو إعادة توطينهم. كما استخدم ورقة اللاجئين كورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي مهدداً بفتح الحدود وإطلاق موجة جديدة من الهجرة إذا لم تتلقّ تركيا المزيد من المساعدات المالية والدعم السياسي من بروكسل. وسيتعين على أردوغان إيجاد حل مستدام لأزمة اللاجئين في فترة ولايته الثالثة، وهو حل يحترم حقوق اللاجئين وكرامتهم، مع معالجة مخاوف واحتياجات الشعب التركي. وسيتعين عليه التعاون مع المجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لتقاسم عبء ومسؤولية استضافة اللاجئين وإدماجهم. كما سيتعين عليه العمل من أجل إنهاء الصراع في سوريا والعراق ودعم السلام والاستقرار في أفغانستان.

انتخابات البلديات 

التحدي الثالث لأردوغان هو الانتخابات البلدية المقبلة في مارس 2024، والتي ستكون اختباراً حاسماً لشعبيته وشرعيته. والانتخابات البلدية مهمة لأنها تحدد من يسيطر على الإدارات والخدمات المحلية في المدن والمناطق الرئيسية في تركيا. كما أنها تعكس المزاج العام والرأي العام تجاه سياسات أردوغان وأدائه. وفي الانتخابات البلدية الأخيرة في عام 2019، عانى أردوغان من انتكاسة كبيرة عندما فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم السيطرة على إسطنبول وأنقرة وإزمير والعديد من المدن الرئيسية الأخرى لصالح أحزاب المعارضة. واعتبر ذلك علامة على تراجع شعبية أردوغان. واستفادت أحزاب المعارضة من انتصاراتها من خلال توفير خدمات أفضل وشفافية ومساءلة أمام ناخبيها.

وسيتعين على أردوغان استعادة قوته المفقودة في الانتخابات البلدية المقبلة إذا أراد الحفاظ على قبضته على السلطة وتأمين إرثه. سيتعين عليه استعادة ثقة ودعم الناخبين في المناطق الحضرية وخاصة الشباب والنساء والأكراد والعلمانيين والأقليات. وسيتعين عليه معالجة مظالمهم ومطالبتهم بمزيد من الديمقراطية والحرية والعدالة والتعددية. كما سيتعين عليه مواجهة كتلة معارضة موحدة وواثقة من شأنها أن تتحداه على كل الجبهات.

العلاقات مع بشار الأسد

التحدي الرابع لأردوغان هو علاقته مع بشار الأسد، رئيس سوريا الذي كان في حالة حرب مع تركيا منذ عام 2011.

وكان أردوغان من أشد منتقدي ومعارضي الأسد منذ اندلاع الانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. ودعم أردوغان مجموعات متمردة مختلفة تقاتل ضد نظام الأسد وتدخل عسكرياً في شمال سوريا لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية. كما اتهم أردوغان الأسد بارتكاب فظائع ضد شعبه، ودعا إلى إقالته من السلطة. ومع ذلك، تمكن الأسد من البقاء واستعادة معظم الأراضي التي فقدها لصالح المتمردين، وذلك بفضل دعم روسيا وإيران وحزب الله. كما استعاد الأسد بعض الاعتراف والشرعية الدولية حيث استأنفت بعض الدول العربية والأوروبية العلاقات الدبلوماسية معه. وأعرب الأسد أيضاً عن استعداده للدخول في حوار سياسي ومفاوضات مع المعارضة وأصحاب المصلحة الآخرين تحت رعاية الأمم المتحدة.

وسيتعين على أردوغان أن يقرر ما إذا كان سيستمر في موقفه العدائي تجاه الأسد أو يغير سياسته ويسعى إلى التقارب معه. وسيتعين عليه أن يزن تكاليف وفوائد كل خيار من حيث الأمن والاستقرار والنفوذ في سوريا. وسيتعين عليه أيضاً النظر في آراء ومصالح حلفائه وشركائه مثل روسيا وإيران وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الذين لديهم أجندات وتوقعات مختلفة في سوريا. 

عن الكاتب

ألطاف موتي

باحث اقتصادي باكستاني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس