ترك برس

ذكر تقرير لصحيفة العربي الجديد نقلا عن مصادر دبلوماسية أن تركيا تعد خريطة طريق جديدة لإدارة الاقتصاد، وتحدد سياستها الجديدة وفق ذلك.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيبدأ في الأيام المقبلة جولة دولية وإقليمية تشمل عدة دول، يجري خلالها لقاءات مع عدد من زعماء المنطقة والعالم خلال قمة حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا، يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، على أن تليها جولة خليجية تشمل كلاً من الإمارات والسعودية وقطر. ومن المتوقع أن يستقبل أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تركيا لاحقاً.

حراك ولقاءات ملفتة تأتي بعد إتمام تركيا مسيرة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار الماضي، وفوز أردوغان بالرئاسة، في ظل استمرار تراجع سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، وهو ما يجعل الاقتصاد في مقدمة أجندة اللقاءات التي سيجريها أردوغان، خصوصاً في زيارته للإمارات التي قد تشهد توقيع اتفاقيات واستثمارات ربما تصل إلى 40 مليار دولار.

وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك قال، الاثنين الماضي، إن أردوغان سيجري زيارة إلى الإمارات يتم خلالها التوقيع على اتفاقيات ثنائية شاملة، موضحاً أن التنسيق يجري من خلال وزارته، ومشيراً إلى قطع شوط طويل في العمل الفني الخاص بالاتفاقيات.

وأضاف الوزير التركي: "سنكمل العمل في الأسبوعين المقبلين، ومن المحتمل أن يقوم رئيسنا بزيارة الإمارات بعد ذلك. من الناحية الفنية، أحرزنا تقدماً كبيراً ومن المحتمل أن يكون هناك اتفاق إطاري شامل".

وأشار إلى استمرار الوفود التركية والإماراتية في العمل بعضها مع بعض طيلة فترة عطلة عيد الأضحى (في الأسبوع الأخير من يونيو/ حزيران الماضي)، لافتاً إلى أن وفوداً كبيرة من الإمارات ستصل إلى تركيا، ومع اكتمال الأعمال سيتم رسم إطار عمل زيارة أردوغان إلى الإمارات.

وكانت تركيا ومصر قد أعلنتا في بيان مشترك صادر عن وزارتي خارجية البلدين، الثلاثاء الماضي، رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، ورشحت أنقرة صالح موطلو شن ليكون سفيراً لها لدى القاهرة، فيما رشحت مصر عمرو الحمامي ليكون سفيراً لها في أنقرة. وموطلو شن والحمامي قائمين بالأعمال في سفارتي بلديهما حالياً.

ونقلت صحيفة العربي الجديد عن مصدر دبلوماسي مصري قوله إن الدوائر الدبلوماسية في البلدين توافقت على ترتيب زيارة رسمية للرئيس المصري إلى أنقرة تلبية لدعوة نظيره التركي، مضيفاً أن الموعد المحدد للقمة هو 27 يوليو/ تموز الحالي في العاصمة التركية أنقرة.

وأوضح الدبلوماسي المصري أنه من المقرر أن تستتبع تلك القمة زيارة سيقوم بها أردوغان للقاهرة، في الشهر التالي، تستمر 3 أيام تتخللها مجموعة من اللقاءات مع مسؤولين عرب.

وبحسب الدبلوماسي المصري، ستتضمن أجندة القمة الأولى الرسمية التي ستعقد بين الرئيسين في أنقرة مجموعة من ملفات التعاون، التي سيأتي في مقدمتها ملف الأزمة الليبية، والترتيبات المشتركة في إطار خطط التعاون الجديدة التي تراعي مصالح الجانبين، والأوضاع في شرق المتوسط.

إدارة السياسة الاقتصادية

كما نقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي تركي أن تركيا تعد "خريطة طريق جديدة لإدارة الاقتصاد، وتحدد سياستها الجديدة وفق ذلك، ومنها سياسات مالية شفافة للمصرف المركزي واستقرار الأسعار، واستخدام كافة الإمكانيات المتوفرة، وكل ذلك يجب أن يكون دون الإخلال بالتوازن واستهداف ذوي الدخل المحدود، وهو ما يتطلب الصبر والوقت".

وأضاف المصدر أن "السياسة الجديدة تحتاج أيضاً إلى استثمارات خارجية طويلة الأمد ونوعية، وهو ما يقود إلى مفاوضات مع الدول الأخرى، ومن هذا المنطلق فإن جولة أردوغان الخارجية ستتم في الفترة ما بين 17 و19 يوليو الحالي، إذا لم تحصل تغييرات في آخر لحظة، على أن يرافقه وزراء. وستشمل الزيارة الإمارات والسعودية وقطر".

وأوضح المصدر أن "العمل مع الإمارات مستمر منذ فترة، فهناك تعليمات بأن تنتهي جميع التفاصيل الفنية والانتقال لمرحلة التوقيع عليها، في ظل اهتمام خليجي بالاستثمارات في تركيا، وخاصة في قطاعات عديدة من النقل والزراعة والصناعات الدفاعية والطاقة وغيرها. وفي المرحلة الأولى يقدر حجم الاستثمار مع الإمارات بما بين 30 و40 مليار دولار، وقد تتبع ذلك خطوات أخرى لاحقاً من السعودية وقطر".

وبات من الواضح أن الدول الإقليمية والخليجية كانت بانتظار إنهاء تركيا محطة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي ووضوح رؤية الحكم في البلاد قبيل الإقدام على أي خطوات جديدة، ومع استكمال هذه المحطة وفوز أردوغان مجدداً بالرئاسة، فتح هذا المجال أمام تسريع اللقاءات.

كما أن الرئيس التركي بات ينتهج سياسة جديدة أكثر اعتدالاً مع دول المنطقة، وهو ما بدا واضحاً من التصريحات والإعلان المشترك مع مصر في مسألة تبادل السفراء، فالأزمة الاقتصادية في تركيا وحلها بحاجة إلى استقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، والتفرغ للمسائل الداخلية.

وحول هذه التطورات، رأى الصحافي التركي إسماعيل جوكتان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رياح التطبيع التي تهب في المنطقة تلقي بظلالها على جميع الدول وتزداد جهود التطبيع في المنطقة. وأعتقد أن هناك ثلاثة دوافع لهذه الوتيرة، هي الحروب والمشاكل التي جرت في المنطقة سابقاً وأدت إلى حالة الشتات وجعلت الدول منعزلة بعضها عن بعض، والصراع الصيني ـ الأميركي المتفاقم، والمشاكل الاقتصادية".

وأضاف جوكتان: "أدركت تركيا أنها إذا أرادت حماية نفوذها في المنطقة، فلا بد لها من بناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية كمصر والسعودية، وأيضاً تحتاج تركيا للعملة الصعبة من أجل منع انهيار اقتصادها عبر إنشاء علاقات اقتصادية مع الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بينما تسعى هاتان الدولتان لمشاريع اقتصادية مع الصين، وهذا يجعل تركيا تشعر بضرورة وجودها في هذه الساحة".

ولفت الصحافي التركي إلى أن "الانتخابات كانت العقدة الأساسية أمام تحديد تركيا والدول المذكورة مستقبل علاقاتها بعضها مع بعض، وهناك ارتياح شديد في العواصم الخليجية التي تريد الاستثمار الاقتصادي في تركيا بسبب فوز أردوغان، لأن المعارضة التركية كانت تتوعد بالغموض في مسألة مستقبل العلاقات مع هذه الدول".

وختم جوكتان بالقول: "لذلك من الممكن أن نقول إن نتائج الانتخابات أدت دوراً كبيراً في تسريع جهود التطبيع بين تركيا ودول المنطقة، والتوجهات الاقتصادية الجديدة للحكومة التركية لها تأثير كبير في سياسة أنقرة الخارجية تجاه المنطقة. ونلاحظ أن الزيارة الرسمية التركية الأولى بعد الانتخابات إلى هذه الدول كانت عبر وزير المالية الجديد محمد شيمشك الذي يحظى بثقة الدول الغربية".

من ناحيته، اعتبر الصحافي إبراهيم آباك في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة التركية كانت تنتظر نتائج الانتخابات من أجل الإقدام على مزيد من الخطوات المؤثرة في العلاقات مع الدول الإقليمية، في ظل وجود رغبة مشتركة، ولهذا كانت الخطوات الأولى للتطبيع بسيطة ومليئة بالمجاملات وتستهدف خفض التوترات".

صفحة جديدة بين تركيا ودول المنطقة

وأضاف: "الآن انتقلت العلاقات إلى صفحة جديدة بين تركيا ودول المنطقة، خصوصاً مصر والدول المؤثرة في منطقة الخليج، بعناوين اقتصادية. وبالتأكيد إن التطورات في المنطقة والعالم لها دور، بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وتولي الرئيس الأميركي جو بايدن الحكم وتغير السياسات الأميركية، وكلها دفعت دول المنطقة لانتهاج سياسات جديدة مختلفة".

وأكد آباك أن "تركيا بعلاقاتها مع دول الخليج تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية بالدرجة الأولى، وتعمل على تصفير المشاكل تماماً كما كان الحال قبل أكثر من عقد، وتُرحّل المشاكل العالقة بين الطرفين، وتركز على المصالح الوطنية، بالتالي إن خطوة تعيين السفراء مع مصر تظهر أهمية انتظار محطة الانتخابات للدول الإقليمية الأخرى التي كانت تترقب شكل الحكم السياسي في البلاد".

ورأى آباك أن "تركيا استفادت من دروس الماضي، وهي عازمة على انتهاج سياسة أكثر اعتدالاً في المنطقة، لأن أردوغان يرغب باختتام فترة حكمه بتحقيق الرفاه مجدداً للشعب، بعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ عامين، وكادت أن تودي به، فضلاً عن أن هذه العلاقات ستعود بنتائج ملموسة في الداخل، وبالتأكيد ستنعكس على شعوب المنطقة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!