كمال أوزتورك - الجزيرة نت
لأول مرة استنكرت أميركا والغرب قصف مخيمات اللاجئين في رفح، وكأن كل ما فعلته إسرائيل قبل ذلك منذ بداية العدوان على غزة أمر طبيعي ومعتاد. لقد بلغَ عددُ القتلى 36 ألف شخص، ومعظمُهم من النساء والأطفال. تعتبر الهجمات التي نفّذتها إسرائيل على المستشفيات تصرفًا غير إنساني، والآن يعبرون عن غضبهم لمقتل 45 شخصًا نتيجة لقصف خيام اللاجئين. يُعتبر هذا التصرف انتهاكًا صارخًا للقيم الإنسانية وعرضًا فظًا للضمير.
صوت الضمائر الكاذبة
أحد أكبر مظاهر النفاق يأتي من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي وصف قصف مخيم اللاجئين بأنه "خطأ مأساوي". هل لا يُعتبر قصف الأطفال وقتل النساء بالقنابل، واستهداف القوافل الإنسانية، وسيارات الإسعاف، والمستشفيات، والكنائس، والمساجد، مأساويًا؟ الضمير الزائف للقاتل لا يمكن أن يظهر إلا بهذه الطريقة.
أما وزير الخارجية الأميركي بلينكن، فقد جلب لنفسه الإحراج. فقد وصف الحادثة أولًا بأنها "مروعة"، ثم قال: "إنها هجوم محدود ومركّز على الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين"، مما يظهر التناقض والمزيد من الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين. ماذا يمكن أن نتوقع من شخص لم يبدِ أي رد فعل ليوم واحد على قتل 36 ألف إنسان وجثث الأطفال؟ هل هو عدم الاكتراث أم تحايلٌ على الحقيقة؟
رغم عدة تصريحات من الرئيس الأميركي بايدن تحذر من خطورة هجمات إسرائيل على رفح، فإن صمته كان مُريبًا عندما قامت إسرائيل بقصف مخيمات اللاجئين في رفح، وقتلت المدنيين الذين كانوا يبحثون عن ملاذ آمن. لم يستطع هذا البطل المزعوم لقضايا الإنسانية وقف إسرائيل أو حتى التصدي للقنابل التي تُرسل إليها.
وعلى الرغم من تصريحات بريطانيا وألمانيا ودول أخرى التي تُعبر عن دعمها لإسرائيل بدون وضع شروط بعد قصف مخيم اللاجئين، فإن هذه التصريحات لا تُعد إلا عروضًا باطلة للضمائر الزائفة. لا ينبغي الاعتماد على أيٍ منها.
عروض السلام الزائفة
بالإضافة إلى تلاعبه بمفهوم الضمير الكاذب، قام الرئيس بايدن بنشر مقترح لوقف إطلاق النار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يبدو وكأنه اهتمام حقيقي بحياة الناس ورغبة في تحقيق السلام. ومع ذلك، يمكننا التعرف على أن هذا المقترح يعد باطلًا، نظرًا لعدم وجود تهديد بفرض عقوبات أو قطع المساعدات العسكرية والنفطية في حال عدم القبول به. لو كان هذا المقترح جادًا، لكان من الممكن رؤية تهديدات حقيقية بالعواقب إذا لم يتم قبوله. ولكن نتنياهو رفضه بسهولة، مما يثير الشكوك حول جدية هذا المقترح.
في الواقع، أعلن نتنياهو بوضوح أنه لن يقبل بإنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها، وهو موقف أكده في جلسة سرية للكنيست وتم تسريبها عن عمد إلى الصحافة. فما هي تلك الأهداف التي يسعى إليها؟ تتضمن قتل المزيد من الفلسطينيين، وإحداث المزيد من الدمار، والمزيد من التهجير، وزيادة الاحتلال. في هذا السياق، لا يمكن أن تكون هناك أهداف أخرى غير ذلك.
بايدن لم يعبر بأي تعليق حول هذا الأمر. بالعكس، هو مستمر في دعم إسرائيل عبر إرسال القنابل التي تسفك دماء الأطفال، ويموّل الطائرات التي تقصف المدن بالوقود. كما أنه يهدّد الدول التي تسعى لفرض عقوبات على إسرائيل. بمعنى آخر، يجب ألا نثق بعروض السلام الزائفة التي تصدر عن إدارة بايدن.
ماذا نفعل نحن؟
من الواضح أن الاستنكار والتنديد لم يعودا كافيَين لمواجهة الظلم والقمع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. يجب على الدول الإسلامية والعالمية بشكل عام القيام بخطوات عملية وفعّالة لوقف هذه المأساة الإنسانية.
أولًا وقبل كل شيء، يجب أن تضغط الدول الإسلامية والعربية بقوة على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات فعّالة ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وقطع العلاقات التجارية والعسكرية. علاوة على ذلك، ينبغي عليها العمل على توجيه الضغط الدبلوماسي؛ لتحقيق إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس