ترك برس
اختتمت فعاليات النسخة السابعة من مهرجان سيرت الدولي للأفلام القصيرة الذي حمل هذا العام شعار "غزة الحرة"، مساء الجمعة، بحفل ختامي شهد توزيع الجوائز على الأفلام الفائزة من بين 293 فيلماً مشاركًا في المهرجان.
وقد أضفى حضور وزير التربية الوطنية التركي، البروفيسور الدكتور يوسف تكين، الذي افتتح العام الدراسي الجديد بدرس خاص بعنوان "من جناق قلعة إلى غزة.. روح الاستقلال وحب الوطن"، طابعاً خاصاً على المهرجان الذي حمل شعار "غزة الحرة".
وفي مقال بصحيفة يني شفق، أشاد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، بالقرار الذي اتخذه الوزير تكين بشأن غزة وخاصة في مواجهة الأصوات المعارضة، مؤكدا أن "ثقة الوزير وشجاعته وعزمه على البدء بهذه الخطوة، متجاهلاً الانتقادات والضغوط من بعض الأوساط، من أجل تمكين الأجيال الجديدة من التعرف على أنفسهم وربهم وأمتهم وتاريخهم على أكمل وجه، تستحق كل أنواع الثناء والتقدير. فكيف يمكن لشخص لا يعرف غزة ولا يراها ولا يشعر بقربها أن يفهم معنى جناق قلعة؟".
وقال أقطاي: "لا شك أن معركة الدفاع البطولي التي خاضها أهل غزة تشكّل واحدة من أصدق وأنقى وأشجع الصفحات في تاريخ حرب الاستقلال التركية. فأبطال غزة الذين يقاتلون بشجاعة من أجل ألا يفقدوا شبرًا من أرضهم لا يقلون شجاعة عن أبطال جناق قلعة. ومقاومتهم ليست مجرد قصة تاريخية أو سيناريو سينمائي مزيف، بل هي في الواقع بطولة حقيقية نشهدها جميعاً وتجري أمام أعيننا اليوم".
وأضاف: قد يقول البعض إن البطولة في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه تحولت إلى أسطورة قديمة لا يمكن رؤيتها أو إظهارها أو حتى مواجهتها. ولكن بعد "طوفان الأقصى"، شهد العالم المعاصر عودة تلك الأسطورة أمام أعينه. فكما شهد العالم أجمع، بعد هذه الأحداث، أمثلة لا حصر لها على الوحشية والبربرية التي اعتقدنا أنها أصبحت من مخلفات الماضي، شاهد كذلك نماذج من البطولة التي لم تعد تحدث إلا في الأساطير، تجلت بأبهى صورها في ألوية القسام وفي شعب غزة النبيل والصبور والصامد والمقاوم".
وتابع المقال:
إن القصص الواقعية التي تشهدها غزة يوميًا تتفوق بواقعيتها على جميع قصص البطولة والدراما والمأساة التي يتم المبالغة فيها لجذب انتباه الناس والتأثير عليهم. ربما لم يعد من الممكن كتابة قصة بطولية أخرى بعد طوفان الأقصى، لأن أبطال غزة قد قدموا أسمى الأمثلة على البطولة الحقيقية بحياتهم ومواقفهم ونضالهم وحروبهم.
لطالما كان للفن ـ باعتباره تقليدًا للواقع ـ قدرة على تمثيل الواقع بطريقة تبدو أكثر جمالاً واتساقاً وشمولية مما هي عليه في الحقيقة، بيد أن هذا النوع من التمثيل ينطوي، بشكل أو بآخر، على شيء من التحريف. ولكن التحريف في هذه السياقات يكون وسيلة لتحقيق تمثيل أكثر تأثيرًا للواقع. وبهذه الطريقة، تتحول العديد من القصص العادية إلى قصص بطولية عظيمة بعد تنقية كل ما فيها من عناصر شاذة. وبالطبع لا يمكن التقليل من شأن هذا الجهد الفني في السينما؛ فهو مهارة وإنجاز بحد ذاته قبل أن يكون فناً، بغض النظر عن زاوية النظر إليه. لكن ينبغي ألا نغفل أن الفن في حد ذاته، لا يحمل دائماً جانباً إيجابياً بصورة مطلقة.
ويمكن أن يتحول ستار السينما إلى حاجز يفصلنا عن الواقع، و يعرض أمام أعيننا مباشرة، حيث تشكل العلاقة الوثيقة بين صناعة السينما والسياسة والإيديولوجيا عنصرًا جذابًا للغاية. لقد قامت سينما هوليوود بتصوير الهنود الحمر، الذين هم من أرقى وألطف وأكرم شعوب التاريخ، كمخلوقات همجية وشرسة متعطشة للدماء، في حين تم تصوير البيض القادمين للاستيلاء على أراضيهم بدافع الجشع، كأشخاص مدنيين وأبطال. وهكذا فإن هوليوود قد أسدلت ستارًا سميكًا على أعيننا منذ عام 1949 من خلال إنتاج ما لا يقل عن 250 فيلمًا عن المحرقة، مما يشير إلى مدى قدرتها على تشويه الحقائق.
لقد استخدم القتلة الصهاينة السينما والإعلام والكاميرا لسنوات عديدة لخداع العالم، تمامًا كما فعل الفراعنة عندما استخدموا السحرة لخداع شعبهم وخلق تصور مختلف عن الحقيقة. ومن هنا يتضح أن السينما، في سياق غزة، قادرة على القيام بالكثير لكشف الحقيقة ومواجهة محاولات التضليل والتلاعب بالحقائق، وذلك من خلال عرض الحقيقة كما هي دون أي تحريف.
ولذلك، تم إعداد برنامج أقوى وأغنى برنامج لمهرجان سِيرت في دورته السابعة. وبفضل الدعم القوي من محافظة سِيرت وجامعة سِيرت، وتشجيع جميع المؤسسات الأهلية في سِيرت ومشاركتهم الحماسية والصادقة، أصبح من الممكن أن يكون هذا المهرجان مهرجانًا حقيقيًا للحرية. بل كان أيضًا منتدى للأفكار، حيث أقيمت عروض أفلام، بالإضافة إلى محاضرات حول السينما، وخاصة حول غزة والمقاومة والحرية والبطولة. وقد قدم مشاركون مهمون من تركيا وفلسطين ومصر وسوريا والأردن عروضًا قيمة حول الفروق بين السينما التي تمنح الحرية والسينما الاستعمارية التي تشوه الحقائق وتحجبها عن أعيننا.
وقد ناقش أساتذة وباحثون مثل الأستاذ الدكتور إحسان سُريّا صِرما، وصلاح الدين إيش، ووحدة الدين إينجه، ووجدي العرابي، والبروفيسور سامي العريان، ومعين نعيم، وفيصل قره طاش، وآيدين أقطاي، وسامر عربيّات، وتولاي غوكشامين، ونظيف تونچ، وكمال تكدن، ومحمد صغلام، ورضوان كايا، وتوران كيشلاكجي، وهشام عبد الله، وغيرهم كثيرون، إمكانية وجود سينما حرة من أجل غزة الحرة، وكشفوا عن حيل السينما الاستشراقية والإسلاموفوبية والصهيونية.
وفي اليوم الثالث من المهرجان، وصل خبر استشهاد القائد الكاريزمي لطوفان الأقصى، يحيى السنوار. ولكن هذا الخبر، خلق بتفاصيل استشهاده، جوًا عاطفيًا غير متوقع. فبدلاً من الحزن، ساد جو من الإعجاب والدهشة بهذه القصة المذهلة ونهايتها الرائعة. ففي عالم يصور البطولة بشكل مصطنع وزائف في الأفلام، برزت قصة بطولية حقيقية مذهلة يصعب تصديقها.
لم تكن هذه الشهادة مجرد موت، بل كانت مشهدًا سينمائيًا فريدًا من نوعه، وكأن الموت نفسه قد قُتل على يد يحيى السنوار، وسخر من الأموات الأحياء بأسلوب فني رفيع.
لا يمكن إنتاج فيلم أو كتابة سيناريو يتجاوز هذه الحياة. فقد كتب الله سيناريو هذا البطل الذي لم يتوقف عن القتال حتى آخر لحظة، وتولى أعداؤه، دون أن يدركوا، دور المصورين. وقد أثبتت العصا التي ألقاها في لحظاته الأخيرة على أعدائه أنها عصا موسى التي سلبت أعداءه كل حججهم، وأثبتت تأثيرها كالحقيقة التي ابتلعت ثعابين سحرة الفراعنة.
في الواقع، كل ما شهدناه في غزة على مدار عام يدعونا إلى إعادة النظر في كل ما نفكر فيه ونعرفه عن الفن والفلسفة الفلسفة. إن أقصى ما يمكن أن تقدمه السينما الملحمية من بطولات لا يتجاوز كونه تقليدًا لما يحدث في غزة.
لقد ساهمت ولاية سيرت، وجامعة سيرت، والمجتمع المدني المحلي ووسائل الإعلام المحلية وصناع الأفلام القصيرة والمخرجون بشكل كبير في هذا المهرجان، وعملوا جميعًا منذ بداية المهرجان على كتابة رسالة "غزة الحرة" التي ستنطلق من سيرت. أود أن أتوجه بالشكر الجزيل لهم جميعًا على مساهماتهم التي ساعدت في جعل هذه الرسالة تجد صداها بأكثر المعاني دلالة في هذا الوقت وبهذا السياق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!