وداد بيلغين - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

كان السؤال الأبرز مع انتهاء الحرب الباردة هو التالي: "ماذا سيكون دور حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟". وكنا نسأل حينذاك "هل سيُنهي حلف الناتو مهمته التاريخية ويعلن حلّ نفسه؟". لكن في هذه الأيام أصبح هذا التساؤل من الماضي. فحتى الذين رفضوا مشاركة الناتو في السابق رفضا قاطعا، أصبحوا اليوم يدافعون عن الناتو. وخلال قمة الناتو الأخيرة في ويلز عُقدت اجتماعات عديدة للحديث عن عدم استقرار الشرق الأوسط وعن الأحداث والفوضى والصراعات التي تعج في المنطقة.

عُقدت هذه القمة بعد انتخابات رئاسة الجمهورية مباشرة، وبمشاركة تركيا ممثلة بأردوغان الذي فاز بتلك الانتخابات من الجولة الأولى. وهذا معناه أن رئيس الجمهورية التركية الذي شارك في تلك القمة هو "زعيم فاز بانتخابات تلو الانتخابات" ويحظى بدعم كبير من شعبه. لذا كان رجلا قويا في وجه زعامات الغرب، وكانت عواصم الدول الغربية تتحدث عن تركيا من خلال اعترافها "بالحسابات الخاطئة" والتي ساهمت "في إيجاد جو سلبي" وهذا ما اعتبروه "تصرف سياسي غير صحيح".

زعيم في قمة الناتو

رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، كان يمثّل دولة مستقرة وقوية وديمقراطية تعيش في شرق أوسط مليء بالفوضى التي أحدثها الغرب نتيجة سياساته الخاطئة وفهمه الخاطئ لطبيعة المنطقة. فتركيا وقفت دوما ضد سياسات الغرب واختياراته في الشرق الأوسط.

لنتذكر أنه في الوقت الذي دعمت فيه تركيا الجيش الحر الذي كان يهدف لإسقاط النظام البعثي، غيّر الغرب المعادلة بإدخاله منظمات إرهابية على رأسها داعش وساهم في نشرها ونشر مجموعات إرهابية أخرى لكي لا يتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط. وعلينا إدراك أن تركيا لو لم تدعم الجيش الحر، لكن البديل الوحيد لنظام البعث هو داعش.

والمسألة الثانية التي أراد أردوغان إيصالها إلى الدول الغربية خلال قمة الناتو، هي أن الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، لن تجد دولة أقوى ولا زعيماً أفضل من تركيا وأردوغان للتعاون معهما، لهذا فإن قوة تركيا واستقرارها هو شرط أساسي لاستقرار المنطقة كلها. وعلى مراكز القوى في الدول الغربية التي تضايقت من قوة تركيا، عليها أن تدرك تماما أن الثمن الذي ستدفعه مقابل عدم استقرار تركيا هو ثمن باهظ جدا.

مفهوم دفاعي جديد

لم يكن الناتو في الماضي مجرد منظمة أمنية، بل تدخل حتى في سياسة الدول الأعضاء. فعلى سبيل المثال قام الناتو بعمليات عديدة من أجل إبقاء تركيا "تحت وصاية الغرب" باستخدامه عناصر مختلفة (منها على سبيل المثال منظمة إرغينكون). كانت كل هذه العمليات والتدخلات السرية تهدف إلى عدم تحقيق ديمقراطية حقيقية في تركيا.

اليوم تركيا تغيّر تركيبتها الماضية وتغير طبيعة علاقاتها بالدول الغربية، فاليوم لا يمكن الاستمرار بالعلاقات مع الغرب كما كانت في الماضي. وعلى عواصم الدول الغربية أن تتخلص من عقدتها المتمثلة بأن "تركيا في الماضي لم تكن تعمل أي شيء بدون علمنا، أما الآن فنضطر إلى التنصت عليهم"، وعليها أن تفهم سياسة تركيا الجديدة وتتصرف بناء على ذلك.

المتحدثون باسم الغرب في الصحافة التركية، الذين يقولون أن علاقة أردوغان وداود أوغلو بالدول الغربية ستشكل لنا مشاكل في حلف الناتو، هؤلاء على ما يبدو "حلفوا اليمين" على أن تركيا يجب أن تبقى تابعة للغرب. اليوم تتأسس تركيا جديدة، واليوم يتشكّل عالم جديد، لذا على الناتو أيضا أن يتغيّر بما يتوافق مع هذا الوضع الجديد، وهذا أمر ليس صعبا.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس