ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

بغض النظر عن المواقف السياسية المختلفة من تركيا الجديدة بحسب الخلفية الفكرية الإيدلوجية لإصحاب تلك المواقف والتي تنعكس تلقائيا على الوصف والتوصيف، إلا أن هناك اتفاقًا على نجاح التجربة التركية بشكل باهر اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وعلميا بطريقة غيرت وجه البلاد وموقعها ومكانها ومكانتها إقليميا ودوليا. هذا النجاح ترجمه الناخب التركي بثقة تتوالى مع كل انتخابات وإن شهدت كبوة في حزيران/ يونيو الماضي ما لبث حزب العدالة والتنمية أن تخطاها بقوة وثبات في الانتخابات المبكرة التي تلتها. كما إن التطور التركي في الضمير العربي ترجمه وجودا سياحيا وسياسيا ودراسيا وتجاريا في تركيا بشكل عام وفي عاصمتها الاقتصادية إسطنبول بشكل خاص والتي تجد فيها حضورا عربيا بارزا من دول عربية متعددة خصوصا مواطني دول اغتال ربيعها أدوات الدولة العميقة أو تكالبت عليها قوى خارجية تدعم سفاحها وتساند جرائمه ومجازره.

تصالحت تركيا الجديدة مع تاريخها وتراثها وهويتها وجوارها العربي والإسلامي وهو أمر رافقته تشريعات وقوانين شجعت ويسرت الاستثمار العربي خصوصا في مجال العقارات وهو أمر عكس نجاحه ثقة المواطن العربي بتركيا وتشريعاتها وحاضرها ومستقبلها. وإذا كانت السياحة والعقار والتجارة تشكل روافع الاقتصاد التركي، فإن التقدم العلمي والاستقلال في تلبية الحاجات الأساسية خصوصا في صناعات السلاح والتكنولوجيا الرقمية والدواء تشكل ضمانة كبيرة لمستقبل آمن في عالم مضطرب وفي محيط إقليمي هادر. الصعود التركي وتحديدا بالمجال العلمي والتقني يمكن رصده من ازدياد عدد الجامعات والمصانع والصناعات التكنولوجية المتوسطة والثقيلة.

أتمنى على القيادة التركية والتي نجحت في استقطاب المال العربي الحائر من أوضاع سياسية عربية غير مستقرة وأوضاع دولية غامضة ومشوشة، أن يكون من أولوياتها استقطاب العقول والكفاءات العربية والإسلامية والتي تضيق بها بلادها فتهاجر إلى الغرب تاركة وراءها فراغا لا يمكن أن يعوض. أتمنى أن تسن قوانين تركية تشجع العقول العربية كما الثروات العربية على الاستيطان في تركيا وأن تهيأ لها ما يمنح أصحابها وبشكل زمني معقول فرصة التجنس والمواطنة وقبل ذلك ومعه فرص العمل في معاهد علمية ومراكز بحثية تترجم أفكار العلماء العرب والمسلمين مع نظرائهم الأتراك إلى ابتكارات تتحول في الأسواق العالمية إلى تنافس ومكانة وعوائد مالية.

من الممكن أن تمد أنقرة جسور التعاون الاستراتيجي مع دول عربية شهدت تقاربا وثيقا عسكريا واقتصاديا وسياسيا معها ليشمل النواحي التقنية والصناعية، فهناك دول عربية تنفق أموال طائلة على بحوث علمية ولكنها بحوث قد يستفيد منها الباحث والمؤسسة الممولة سمعة ومكانة وقد تكمل ثغرات بحثية تستفيد منها مراكز بحوث غربية غير أنها لا تترجم إلى أفكار عملية ولا لمردود مادي للدولة الداعمة ماليا لتلك البحوث. التعاون التركي العربي يمكن أن يسد هذه الثغرة بما يجعل المقياس الحقيقي لنجاح البحث العلمي هو في تعزيز مكانة دوله صناعيا ومما يعود عليها بالنفع والمردود المادي.

استقطاب العقول والطاقات النابغة تقنيا ينبغي أن يمتد فيشمل المجالات والعلوم الإنسانية والسياسية، ولتصبح تركيا منارة في العلم والتجديد تقنيا وأدبيا وإنسانيا، ولتكن وجهة لكل من تضيق به بلاده لأفكاره السياسية أو لإنعدام إلإرادة أو القدرة الرسمية العربية في الاستفادة من تلك الطاقات والقدرات.

أدعو القيادة التركية وبما عرف عنها من مبادرات متجددة وحيوية إلى تأسيس وإطلاق جوائز نوبل قيمة وعلى مستوى رفيع بنسختها التركية الإسلامية والتي تعيد وصل ما انقطع في تاريخنا من نهضة علمية مرتبطة بقيمنا الروحية والأخلاقية. الامتداد العلمي التركي في ربوع العالم الإسلامي يحصن التجربة التركية ويعمق تجذرها ويوقف استنزاف العقول والقدرات إلى الغرب والذي يدعم الدكاتوريات في بلادنا ويساند الثورات المضادة ليبقى بلادنا مزارع لحاجاته وسوقا استهلاكية لمنتجاته ولتضيق بلادنا بالعقول والطاقات البشرية فيستجلبها الغرب مقابل جواز سفر وحياة فيها شيئا من الكرامة وتقدير للإنسانية!!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس