ولاء خضير - خاص ترك برس

علي سعيد باشا، هو قائد القوات العثمانية في اليمن خلال الحرب العالمية الأولى، وهو الذي تولى قيادة الحملة العسكرية الهادفة إلى السيطرة على مدينة عدن، وكانت هي مركز البريطانيين في اليمن، وقاعدتهم العسكرية والاستراتيجية. وبمجيء عام 1918م كان علي سعيد باشا، قد سيطر على معظم أراضي ما يسمى اليوم بالجمهورية اليمنية، وصولًا إلى الحدود مع عدن، التي لم يتمكن من السيطرة عليها.

وفي عام 1914م، أعلنت ‫الدولة العثمانية الإسلامية بالتحالف مع ألمانيا، حربها على بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا القيصرية، وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى.

وقام القائد العام للقوات العثمانية في اليمن، وهو علي سعيد باشا بحملة عسكرية إلى مدن لحج وعدن، ضد القوات البريطانية هناك، لما تمثله عدن من أهمية استراتيجية وحيوية، فأحكم القائد سعيد سيطرته على معظم أرجاء اليمن شمالًا، والمحميات الغربية بما فيها لحج، إلى دار الأمير، أو دار سعد المتاخمة للشيخ عثمان.

وقبل دخول مدينة لحج، أرسل العثمانيون إلى سلطان مدينة لحج علي أحمد للتفاوض معه بالسماح للقوات العثمانية المرور، لكنه رفض ذلك بسبب المعاهدات التي بينه وبين الإنجليز، وكذلك الدعم المالي له، فلم يكن أمام القوات العثمانية إلا اجتياح لحج، لينهزم جيش السلطان علي أحمد ويتوفى متأثرا بجراحه.

ثم دخلت القوات العثانية مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج، والتي كانت تُعد بوابة عدن، وتمركزت فيها، وخرج الجيش النظامي للسلطنة لمجابهته، بقيادة الأمير أحمد فضل العبدلي، وبدأ القلق عند الإنجليز من تصاعد الزحف العثماني إلى عدن.

استمر الزحف العثماني المدعوم بقبائل يمنية، حتى وصل إلى مدينة الشيخ عثمان، وبعد معارك استطاعوا السيطرة على مدينة الشيخ عثمان، وانسحب الإنجليز إلى وسط عدن، وسارعوا إلى طلب النجدة من الحليف الفرنسي، الذي أرسل 800 جندي من القوات المرابطة في جيبوتي.

وقد استمرت المعارك، حتى استطاع الإنجليز استعادة السيطرة على مدينة الشيخ عثمان مجددًا عام 1915م، بعد توافد قوات إنجليزية من مصر، وتراجعت قوات سعيد باشا إلى لحج، واستمرت معارك الكر والفر بين الطرفين، حتى تم إعلان هدنة مودروس، الموقعة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1918م ، والتي أنهت العمليات القتالية في الشرق الأوسط، بين الدولة العثمانية، والحلفاء، خلال الحرب العالمية الأولى.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية، واشتراط دول الحلفاء في معاهدة مودروس سحب جميع القوات العثمانية من المناطق التي تسيطر عليها، وتقاسم تركة "الرجل العجوز"، كانت النكسة عند القائد علي سعيد باشا وجنوده، الذي كاد أن يسيطر على كل أرجاء اليمن شمالًا وجنوبًا، وجاءت الأوامر من عاصمة الدولة العثمانية، بانسحاب العثمانيين من اليمن ومنهم القائد علي سعيد باشا .

ووصل سعيد باشا إلى عدن، حيث إستقبله القائد العسكري البريطاني، وأعاد إليه سيفه الذي كان الباشا قد سلمه للقيادة البريطانية، حين صدرت إليه الأوامر بإخلاء لحج، وصلى الجمعة في مسجد العيدروس، وخرج الناس ألوفًا يستقبلون القائد الذي وقف "كالطود" في وجه القوة البريطانية عدة سنوات، ولم يتزعزع رغم ضرب الطائرات للحوطة، والقلاع العسكرية، والقصر الذي كان يسكنه الباشا.

وكيفما كان الأمر، فقد  ذهبت الجنود العثمانية في لحج إلى عدن، وتجمعت الجنود العثمانية في اليمن، والتي كانت على ساحل البحر الأحمر في اللحية، والحديدة، وهنا حملهم الإنجليز إلى عدن كأسرى، فمكثوا بها أيامًا، ثم نقلوا إلى جزيرة مالطة ثم إلى الأناضول، وكان تسليم الأتراك هذا بناء على أوامر الأستانة.

وحين وصعد القائد إلى السفينة في سواحل عدن متجهًا إلى بلده في الأناضول، كان الناس يودعونه، وأعينهم تنظر إلى المجهول، وانتهت آخر دولة إسلامية حاضنة للمسلمين وموحدة لهم، وتقسمت البلاد الإسلامية إلى دويلات ضعيفة.

ورغم هزيمة تركيا، وانسحابها الكامل من شبه الجزيرة العربية، لم تحاول بريطانيا احتلال اليمن أيام الحكم الإمامي أو بعده، لأن الإمبراطورية العظمى بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى، كانت في حالة احتضار، ولم تعد لندن قادرة على المضي قدمًا في محاربة قريناتها، لمواصلة استعمارها من هونغ كونغ إلى عدن ثم من السويس إلى جبل طارق.

وكانت هزائمها أمام سعيد باشا قبل نهاية الحرب العالمية الأولى مؤشرًا لما سيأتي، أو ما كان قد بدأ بانسحابها إلى داخل معسكراتها الهزيلة في عدن، وتركها الشيخ عثمان لسعيد باشا القائد التركي الباسل الذي كان بإمكانه احتلال عدن نفسها، لولا تردده في التغلغل إلى أوساطها، سيما وأنه لم يكن يمتلك أسطولًا بحريًا، أو قوة جوية لمواجهة خصومه.

لقد أثبت علي سعيد باشا قائد الحملة التركية على لحج سنة 1915م، والذي مكث قرابة أكثر من ثلاثة سنوات فيها، بأنه قائد عسكري من الطراز الأول، وإداري ممتاز، وأنه ضابط نزيه، فقد وصلت سمعته الطيبة إلى مسامع أهل عدن الذين أحبوه، حتى سمّى أهل عدن الحرب التركية - البريطانية باسم "حرب سعيد باشا".

ويصف الدكتور سيد مصطفى سالم الاستقبال الكبير الذي استقبل به علي سعيد باشا من قبل أهالي عدن، بأنه استقبال الأبطال المنصورين الظافرين، بعد أنّ وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها إلى حكومة عدن، فاستقبل فيها استقبالاً طيبًا، ودخل المدينة لا كالمهزوم، بل كالفاتح المنصور".

وينقل سيد مصطفى سالم عن المعاون السياسي الإنجليزي (Jacob)، في كتابه الممتع (Kings of Arabia)، قائلًا "وقد دخل علي سعيد باشا عدن دخول المنتصر، وقابلته الجماهير هاتفة له، وذلك لأنه حارب بيدين نظيفتين، وكان جنديًا ممتازًا، وكذلك إداريًا من الدرجة الأولى، وقد أكسبته شخصيته عند زحفه إلى الجنوب، كثيرًا من الأصدقاء".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!