مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

عملت الحكومة التركية على إزالة كل ما له علاقة بجماعة غولن الإرهابية من جذوره، قطعا لأي محاولة انقلابية جديدة ولو بعد حين، فاتخذت الحكومة التركية ومؤسسة الرئاسة عدة قرارات مهمة ومصيرية هدفها جعل الولاء للوطن وحده، تخدم الشعب التركي وتحرص على مصالحه وتحققها، وتدافع عليها حتى الموت، وليس كيان موازي لدولة يقتسم معا السلطة والنفوذ، وهي المنتخبة من الشعب، وهو السعي لسلطة بثلوث النار، لذا فهو إرهابي قبل الانقلاب وبعد الانقلاب.

أما ثالوث الموت والنار الذي تعرضت له تركيا من طرف جماعة غولن الإرهابي فو كالتالي:

الأول: الانقلاب وهو الإطار الذي جمع باقي مكونات الثالوث (الاغتيالات والحرب) تحرك المجموعة الانقلابية الخائنة، يوم الجمعة 15 يوليو/ تموز 2016 عند الساعة 22:00 بالتوقيت المحلي (19:00 بتوقيت غرينتش) فسيطرت  على مقر رئاسة الأركان التركية بالعاصمة أنقرة، فأغلقت الجسور والطرق الرئيسة في كل من أنقرة وإسطنبول، وقصفت البرلمان وحاصرت مقر قيادة الأركان، واحتجزت رئيس الأركان، وهاجمت مباني المخابرات العامة ومقر مؤسسة البث الفضائي وأوقفت البث، وحاصرت مطار أتاتورك الدولي، وداهمت الفندق الذي يقيم فيه الرئيس التركي أردوغان، كما احتلت مبنى التلفزيون الرسمي وأذاعت البيان رقم واحد منه، تحت تهديد السلاح.

الثاني: محاولة اغتيال الرئيس التركي وأهم الشخيصات السياسة بتركيا.

أعد الانقلابيون لائحة الشخصيات السياسية والمدنية التي سيطالها الاغتيال، وكان على رأسها رئيس الجمهورية رجب الطيب أردوغان، حيث أرسل قادة الانقلاب 40 شخصا من قوات البوردو التركية، (هي قوات خاصة تركية مرتبطة بالقوات المسلحة التركية) لاغتيال الرئيس الطيب أردوغان، بفندق بمدينة مرمريس، كان يقضي فيه عطلته الخاصة مع عائلته.

وضمت اللائحة عدة شخصيات من السياسيين ورجال الأمن والقضاة والصحفيين ورجال الأعمال، ومن بينهم وزير الداخلية ووزير العدل ورئيس الاستخبارات ومدير مديرية أمن إسطنبول، وصل عدد القائمة السرية التي  أعدتها الانقلابيون إلى  9 آلاف شخصية حسب عدة جهات إعلامية تركية.

الثالث: مظاهر الحرب التي عرفتها أنقرة وإسطنبول.

ما حدث في تركيا عند مراقبي الشأن التركي والعالمي لم يكن مجرد انقلاب بل كان فصلا من الحرب العالمية الاستراتيجية التي تشنها كل من أمريكا وأوروبا وطهران والكيان الصهيوني المحتل على تركيا، وقد صدق وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي حينما قال: (إن ما حدث في تركيا من محاولة انقلاب فاشلة، تعدّ واحدة من مظاهر حرب عالمية على الصعيد الإقليمي).

دليل أن "جماعة الخدمة" منظمة إرهابية إن حصيلة الانقلاب الفاشل  في ظرف ساعات من مقتل حوالي 265 تركيا وجرح 1440، ومشاهد طائرات الهيلوكوبتر والطائرات الحربية والدبابات وهي تقصف قوات الشرطة التي رفضت الانقلاب، وقصف البرلماني التركي سبع مرات، و إطلاق النار من المروحيات التابعة للانقلابين  باتجاه جنود معارضين للانقلاب، وأسر رئيس الأركان التركي "خلوصي أكار"، والهجوم على  مقر مؤسسة البث الفضائي بأنقرة باستخدام إحدى المروحيات العسكرية، والهجوم على مكان إقامة الرئيس التركي بمرمريس، بمجموعة كوماندوز عالية التدريب، والقصف الجوي الذي تعرضت له دائرة القوات الخاصة، ومحاولة اقتحام المجمع الرئاسي بأنقرة، وتحليق  طائرة عسكرية فوق مبنى الاستخبارات والبرلمان ورئاستي الجمهورية والوزراء، وإلقاء قنابل على منطقة قريبة من القيادة العامة للدرك، مع اقتحامها والسيطرة عليها، واستخدام عدة قواعد عسكرية مهمة منها قاعدة إنجيرليك ، كل هذه المشاهد، هي مشاهد حرب ضد المؤسسات الدولة التركية والشعب التركي.

حصيلة الشهداء على أثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، لم تعرفها تركيا منذ أن شنت قوات الجيش التركي عملية عسكرية كبيرة استهدفت عناصر "بي كي كي" الإرهابي بجنوب شرق تركيا بعد أن انتهى في أواخر تموز 2015 وقف إطلاق النار الذي استمر سنتين ونصف سنة، وفي أقل من اثنا عشرة ساعة قتل الانقلابيون ما لم يقتله إرهابيو حزب العمال الكردستاني طيلة عام كامل.

لماذا تعرضت تركيا لثالوث النار والموت؟

إن هذه الانتفاضة "جدلا، وأمريكيا"، والفوضى الشاملة (منطقيا وواقعا وتركيا) سببها أمران مهمان:

الأول: شخصية الرئيس التركي العنيدة والقوية والجريئة والشجاعة والتي تفضح الغرب وتنتقده في كل مناسبة تقتضي ذلك، والتي لا ترضى كذلك أن تسير على الخط المرسوم لها، ولا أن تكون أداة لتنفيذ الأجندة الغربية بتركيا والمنطقة.

الثاني: تركيا الجديدة ورؤيتها الاستراتيجية القريبة والمتوسطة والبعيدة الأمد "تركيا الجديدة: 2023-2053-2071"، حيث يسعى الطيب أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية  تحقيق الرؤية الاستراتجية القريبة عام 2023، ثم تسليم تركيا بعدها في عام 2053 و 2071 إلى الأجيال القادمة وهي زعيمة ومتغلبة على مشاكلها ومتحدة وموحدة.

هذان الأمران جعلا من يزعجه مشروع تركيا الحديثة - كما أزعجته تشيلي والتقدم الذي عرفته في بداية السبعينات على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبنى التحية وغيرها، فتم الانقلاب الدموي على رئيسها "سلفادور ألليندي"، وتم إجهاض هذه التجربة الناجحة وكذلك أريد في 15 تموز بتركيا - أن يستعمل معها الخيار الأخير، خيار ثالوث النار والموت: "ثلاثة في واحد: الانقلاب والاغتيالات والحرب"، لعلهم يتخلصون من تركيا الحديثة وسلطانها.

ولو تم ذلك لرأيت العالم يتكلم عن ثورة عظيمة أسقطت حزب شمولي وزعيم دكتاتوري، ولعاد غولن إلى تركيا كما عاد "الخميني" لإيران، كما قال وزير العدل التركي.

لتركيا والأتراك أن يجعلوا 15 تموز، يوما لتخليد ذكرى الشهداء الذي تصدوا للانقلاب الفاشل بصدور عارية، ويوما للديمقراطية والشرعية المنتصرة على عهود الانقلابات والمؤامرات والخيانات.

يوم انتصرت فيه تركيا وشعبها العظيم على ثالوث النار والموت، حتى يَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس