أنس زين الدين - خاص ترك برس

البداية كانت في شهر حزيران/ يونيو عندما التقيت بأحدهم، سوري يعمل في أحد المدارس العربية ويشكو همه "لن يعطوني راتبا اعتبارا من هذا الشهر وحتى بداية العام الدراسي القادم". هذا السوري لديه من الأبناء خمسة -أحدهم سيبدأ دراسته الجامعية هذه السنة- ولكم أن تتخيلوا حجم المصاريف التي ستضاف على كاهله المنهوك أصلا. بعدها بشهر تقريبا التقيت بمعيل أسرة عراقي لديه خمسة أطفال ليعيد لي نفس الشكوى، لكن ما يجعل شكواه مختلفة عن سابقتها أن أصحاب المدرسة التي يعمل فيها يبدو عليهم التدين الشكلي، وأخيرا البارحة ليلا فوجئت ببيان يصدر عن معلمات في إحدى المدارس العربية يذكرون فيه عدم استلامهم لقرش واحد منذ شهر حزيران ولغاية الآن. الأغرب في تفاصيل البيان أن إدارة المدرسة طالبتهم بتوقيع عقد جديد يتضمن تخفيضا مجحفا لرواتبهم، بل ويتضمن بندا بتنازلهم عن رواتب أشهر الصيف القادمة، وبذلك سيتقاضون راتبا لمدة ثمانية أشهر فقط.

ما أردت الوصول اليه من ذكري لهذه المواقف هو أن هذه السياسة من الظلم البين للعاملين في مهنة التدريس يبدو عليها متبعة عند عدد ليس بالقليل من المدارس العربية، حيث أن الشكاوي الثلاثة كانت لمعلمين من ثلاث مدارس مختلفة. ولست في مقام وصف هذا الأسلوب المجحف من التعامل من قبل من كان من المفترض فيهم أن يكونوا قدوة لأبنائنا في العدالة التي تعتبرقيمة يسعون لزرعها في جيل عربي سئم الظلم والظالمين. ويبقى السؤال ما هو موقف القانون التركي من عقود عمل بين بعض المدارس العربية في إسطنبول وموظفيها من المعلمين تقضي بعملهم مدة ثمانية أشهر فقط؟ وما موقفه من الرواتب المجحفة التي تعطى لمن حملوا أمانة تربية أبناء المغتربين والمظلومين في تركيا؟

ليحفظ ويضمن حقوق العاملين في سلك التدريس في المؤسسات التعليمية الخاصة وليقطع الطريق على كل مستغل مجحف لحقوق العباد، لقد نصت المادة التاسعة من قانون المؤسسات التعليمية الخاصة رقم 5580 لسنة 2007 على التالي: يجب أن يكون عقد العمل بين المؤسسة التعليمية الخاصة والمعلمين كتابيا وأن تكون مدته سنة ميلادية واحدة على أقل تقدير.  بناء على هذه المادة تكون سياسة المدارس العربية التي تتبعها مع موظفيها من توقيع عقود عمل مدتها ثمانية أشهر تنتهي مع نهاية السنة الدراسية في شهر أيار/ مايو وعند بداية السنة الدراسية الجديدة في أيلول/ سبتمبر تطلب منهم التوقيع مرة أخرى على عقد جديد لمدة ثمانية أشهر ثانية هي سياسة تخالف مخالفة صريحة لأحكام قانون المؤسسات التعليمية الخاصة والتي تدخل المدارس العربية في تركيا في إطارها.

ولرفع هذا الاجحاف بحق المعلمين عمليا ما الذي يمكن فعله؟ في البداية ودون الدخول في امكانية مقاضاة هذه المدارس في المحاكم التركية سيكون التركيز على الوسائل العملية الأسهل ربما في هذا المجال .ومنها تقديم شكوى إلى وزارة العمل والضمان الإجتماعي حيث تكفل القوانين التركية للعاملين في كل المجالات إمكانية تقديم شكوى بكل ماله علاقة بعملهم من مخالفات للقوانين التركية من قبل أصحاب العمل.و من أسهل الوسائل لتقديم الشكاوي هي الاتصال بمركز التواصل لوزارة العمل والضمان الإجتماعي ورقمهم هو 170 . لكن يجب الانتباه هنا إلى أهمية ذكر كل التفاصيل المتعلقة باسم المدرسة باللغة التركية وعنوانها وتاريخ بدء العمل وتاريخ تركه. ويعمل هذا الرقم على مدار الساعة طول أيام الأسبوع دون انقطاع ويتم الرد على الشكاوي خلال 3 أيام على أبعد تقدير.

لكن الوسيلة الأنجع والأفضل في حال أن المعلم ما زال على رأس عمله في المدرسة؛ هي التقدم بشكوى لمؤسسة تفتيش العمل التابعة لوزارة العمل والضمان الاجتماعي والتي تدعى باللغة التركية "iş teftiş Kurulu" ولها فرع خلف موقف الوفاء "Vefa" في منطقة أونكباني في الفاتح. وتعتبر هذه المؤسسة المرجع النهائي لكل الشكاوي المقدمة من قبل العاملين وفق الفكرة (أ) من البند الرابع للمادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لمؤسسة تفتيش العمل، وهي مفوضة من قبل الدولة لمتابعة ومراقبة تطبيق منشآت القطاع الخاص لأحكام القوانين والتشريعات التركية. والأهم في هذه الوسيلة أنه بالإمكان مطالبة المؤسسة بإبقاء اسم المشتكي سرا لدى الدولة. بمعنى آخر لو كان المعلم في المدارس العربية على رأس عمله ويخشى أن يتم طرده من العمل في حال لجوئه لتقديم شكوى، يمكنه طلب إخفاء اسمه من المؤسسة أثناء تقديم الشكوى. ويجب كذلك إلحاق نسخة من عقد العمل في حالتنا هذه كدليل واضح وصريح على إخلال المدارس العربية بقانون المؤسسات التعليمية الخاصة. لكن في حال أن المعلم توقف عن العمل في المدرسة فحينها يجب عليه تقديم الشكوى للمديرية العامة للعمل الموجودة في منطقة المدرسة التي كان يعمل فيها.

أما الرواتب المجحفة التي هي سمة ملازمة لكثير من الأعمال في غربة اللجوء، فقد كان سابقا لأحكام نفس المادة موقف جيد منها؛ حيث كانت تنص على عدم جواز دفع رواتب للمعلمين في المؤسسات التعليمية الخاصة أقل من الرواتب التي يستلمها نظائرهم في المؤسسات التعليمية الحكومية. بمعنى أخر لا يمكن للمدارس العربية في تركيا أن تعطي رواتب لمعلميها أقل من قيمة الرواتب التي تعطيها الدولة التركية لمعلميها في المدارس الحكومية المماثلة. ولكن للأسف تم حذف هذا البند فقط من المادة التاسعة في اليوم الأول من شهر آذار/ مارس لعام 2014. وبناء على ذلك يحق لكل من كان يعمل قبل هذا التاريخ مقاضاة مدرسته التي يعمل فيها ومطالبتها بالفارق ؛بحيث لو أن المعلم التركي في المدارس التركية الحكومية المماثلة للمدارس الخاصة التي يعمل فيها المعلم الأجنبي يستلم راتبا مقداره 3000 ليرة تركية في حين أن المعلم الأجنبي يستلم راتبا مقداره 1500 ليرة تركية، يحق للمعلم الأجنبي مقاضاة المدرسة ومطالبتها بالفارق وهو 1500 ليرة تركية عن كل شهر عمل فيه قبل التاريخ سابق الذكر.

عن الكاتب

أنس زين الدين

مستشار قانوني متخصص في القانون التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس