فيردا أوزير - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

كما لو أن جميع الأشياء الأخرى قد صنفت، فإن مشكلة هذا الصنف الجديد كانت كل ما نحتاجه في سوريا، فالولايات المتحدة وروسيا الآن دخلا في مواجهة في هذه الدولة.

أولا، أعلنت الولايات المتحدة أنها ضربت بطريق الخطأ جنود بشار الأسد بالقرب من حلب، وأدي ذلك إلى غضب موسكو. وبعدها مباشرة تعرضت شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة للقصف من الطائرات الروسية أو طائرات الأسد. في هذه المرة كانت الولايات المتحدة هي الغاضبة. وقد أنهى ذلك بدوره وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعا واحدا فقط على الأرض.

هذه المواجهة المباشرة بين القوتين العظميين جعلت دول المنطقة والسوريين يسألون أنفسهم كيف سيؤثر هذا كله على الحرب وميزان القوى في البلاد. حتى الآن لا يوجد أساس للقلق؛ لأن الصدام المباشر بين القوتين العظميين ليس مطروحا على الإطلاق.

سوريا ليست هدفا استراتيجيا للولايات المتحدة، في حين أنها هدف بالنسبة لروسيا. الهدف الاستراتيجي طويل الأمد للولايات المتحدة هو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث إنها تحاول أن تحول تركيزها ببطئ من الشرق الأوسط إلى هذه المنطقة. وهذه هو السبب الأساس في أن الرئيس باراك أوباما سلم " قضية سوريا" إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ بداية الحرب.

وعلاوة على ذلك، فإن أولوية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، هي النفط، وهذا يجعل العراق القضية الرئيسة بالنسبة للمعسكر الغربي.

روسيا، من ناحية أخرى، لديها هدفان رئيسيان : أولا سعت روسيا في عصر ما بعد الحرب الباردة إلى منع التوسع الغربي شرقا. ومن أجل تحقيق هذه الغاية منعت روسيا انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك نجحت موسكو في الآونة الأخيرة في ضم شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم تحت سيطرتها، ومن ثم أعاق الكرملين  بنجاح هدف الغرب الاستراتيجي على المدى الطويل للتوسع.

كان هدف موسكو الثاني الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط وفي شرق البحر المتوسط من خلال سوريا.

يهدف بوتين إلى تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة بتشكيل سوريا وفقا لذوقه الخاص، ومفتاحه الرئيس لدخول القرن الحادي والعشرين " كقوة في الشرق الأوسط" هو تأمين قاعدتي روسيا في سوريا. إحدى هذه القواعد هي القاعدة البحرية في طرطوس، والأخرى هي القاعدة الجوية في اللاذقية. وعلاوة على ذلك وضع بوتين المجال الجوي السوري تحت سيطرته بنشر النظام الصاروخي إس 400 في العام الماضي. وبالنتيجة فإن هذه المصالح هي ما يجعل بوتين يتمسك بالأسد.

وإلى جانب ذلك، فإن الاستراتيجية التي ينتهجها الكرملين ليست جديدة على الإطلاق؛ فالعلاقات بين روسيا السوفيتية وسوريا تعود إلى عام 1944، وفي وقت لاحق في عام 1971 سمح الرئيس السوري، حافظ الأسد، للاتحاد السوفيتي باستخدام القاعدة البحرية في طرطوس التي لا تزال موسكو تستخدمها موسكو حتى اليوم. ومن ناحية أخرى فقد قبل الغرب بأن تكون سوريا تحت الهيمنة الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

وعلاوة على ذلك فإن روسيا تظهر بوصفها قوة شرق أوسطية . ومن المعروف أنه اكتشفت مؤخرا احتياطيات ضخمة للغاز قرب سواحل قبرص وإسرائيل وغزة ومصر، وهدف روسيا أن تصبح أقوى قوة في هذه المنطقة بالوصول إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط عبر سوريا.

هذه الأسباب كلها تدفع موسكو للسيطرة على سوريا، ونتيجة لذلك لا يمكن لأحد أن يتحرك في سوريا دون موافقتها.

وباختصار، فإن الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، يهتم اهتماما أساسيا بالعراق أكثر من سوريا. وهذا هو السبب في أن التحالف الدولي ضد داعش يدعم الولايات المتحدة في العراق، وبالتالي فإن واشنطن لا تحتاج إلى تعاون روسيا في هذا البلد.

لكن هذا ليس هو الحال في سوريا، فأعضاء التحالف لا يبدون أي اهتمام بهذا البلد، ومن ثم تحتاج الولايات المتحدة إلى التوافق مع روسيا لمكافحة داعش على المدى القصير، وترك البلاد لروسيا على المدى الطويل.

على أن واشنطن لا تزال ترصد سوريا، فسياستها في دعم مناطق الحكم الذاتي للأكراد السوريين في شمال سوريا تشير إلى أن هذه الخطوة على المدى الطويل هي خطوة تكتيكية فقط.

والخلاصة أن هذه الصورة تعني أن الولايات المتحدة لن تدخل في أي صراع جدي مع روسيا، وستظطر إلى التعامل مع أولويات موسكو في سوريا، نظرا لحاجتها إلى التعاون معها.

بالنسبة لتركيا، يعني هذا كله أن أنقرة ستضطر إلى أن تأخذ في الحسبان أولويات روسيا في سوريا، إذا كانت تخطط للبقاء في البلاد لمدة أطول. يجدر بنا أن نُذكر بأن على قمة أولويات بوتين تأمين بقاء الأسد، وبعبارة أخرى انتصار الأسد على جماعات المعارضة التي تدعمها تركيا أيضا. ومن ثم تتوقع روسيا أن تسحب أنقرة ببطء دعمها لهذه المجموعات، وألا توسع عمليتها الحالية، أي توسيع منطفة نفوذها في سوريا في اتجاه الجنوب.

لكن القول بأن الأكراد السوريين ليسوا استراتيجية بل مسألة تكتيكية للولايات المتحدة لا يلغي إمكانية وقوع صدام بين أنقرة وواشنطن، إذا أخذت في الحسبان حساسية تركيا الجدية تجاه هذه المسألة.

ولهذا السبب على أنقرة أن تسير بحذر على حبل رقيق خلال الأشهر المقبلة،دون أن تقطعه أو تنزلق من عليه. 

عن الكاتب

فيردا أوزير

كاتبة صحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس