برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تحولت مكافحة الإرهاب في الوقت الحالي إلى ثقب أسود خلق التوترات بين تركيا وحلفائها الغربيين، فالعواصم الغربية التي اعتادت أن تنتقد أنقرة لتغاضيها عن داعش، تترك تركيا الآن وحدها في المعركة ضد حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن الإرهابية "فيتو".

وعلى الرغم من إدراج حزب العمال الكردستاني في قائمة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية المهمة قدمت المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي ولجناحه العسكري وحدات حماية الشعب التي تشكل أحد أهم مصادر القلق التركي، وعلاوة على ذلك فإن المجموعات المعادية لتركيا في الخارج التابعة لفيتو تعيش في أمان في بعض العواصم الغربية.

على أن واشنطن اتخذت بعض الخطوات الجديدة المتعلقة بفهم المخاوف التركية، فتوجهت، على سبيل المثال، إلى تبني نهج  أكثر اعتدالا فيما يتعلق بتسليم فتح الله غولن زعيم الجماعة الإرهابية، وذلك في أعقاب زيارة وزير العدل بكير بوزداغ، كما تم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن إخراج قوات وحدات حماية الشعب من مدينة منبج. لكن على النقيض من ذلك يتزايد التوتر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

وعلى سبيل المثال، فبعد أن صرح وزير العدل الألماني، هايكو ماس، أن بلاده لن تسلم الأشخاص الهاربين من جماعة غولن الإرهابية إلى تركيا، شددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موقفها تجاه تركيا. وفيما يتعلق بالحملة على صحيفة جمهورييت قالت ميركل: إنها تشعر بقلق بالغ إزاء توافق الحملة مع سيادة القانون، مضيفة أن حرية الصحافة تؤدي دورا مركزيا في مفاوضات العضوية في الاتحاد الأوروبي.

رد الرئيس رجب طيب أردوغان بحدة على هذه الانتقادات وقال: " نحن قلقون في الواقع بشأن موقفكم" . أنتم تفتحون الأبواب للإرهابيين حاليا، وسوف يرتد إليكم تهديد الإرهاب. لا نتوقع أي شئ منكم، لكن التاريخ سيذكركم على دعوتكم للإرهاب. نشعر اليوم بالقلق من تحول ألمانيا إلى حديقة خلفية لمنظمة فتح الله غولن الإرهابية" .

لم يتمكن الاتحاد الأوروبي العاجز عن إدارك مدى خطورة التهديد الذي تمثله محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو، من تنفيذ متطلبات عملية التفاوض لمكافحة الإرهاب، ويبدو أنه نسي حتى الموقف الصارم الذي تبناه ضد تهديد داعش، في الوقت الذي تتعرض فيه تركيا البلد الديمقراطي لتهديد ثلاث مجموعات إرهابية في وقت واحد، هي العمال الكردستاني وداعش وفيتو. وبينما تتزايد المخاوف المتبادلة، وصل التوتر المتصاعد إلى مستوى ينذر بالخطر. وعلى الرغم من توقف  المفاوضات للانضمام للاتحاد، فإن المصالح المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تستدعي تخفيف مستوى التوتر.

تتضمن هذه المصالح بعض القضايا الرئيسة، مثل مستوى التكامل الاقتصادي، ومصير اللاجئين، والارتباط بقضايا الأمن، وانعكاسات التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا على أوروبا.

إن توفير الأمن في أوروبا، وبالتالي تجنب تآكل الديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا بسبب الحركات اليمينية المتطرفة، يعتمد اعتمادا قويا على استقرار تركيا. إن محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو هي أهم دليل يبرهن على أن ما يحدث ليس سوى حركة ابتزاز تهدف إلى إخضاع أردوغان لأوروبا.

لو نجحت محاولة الانقلاب، لما تمكنت أوربا التي لم تستطع أن تتحمل ثلاثة ملايين لاجئ سوري، من أن تتعامل مع المشاكل التي كانت ستنشأ عن الفوضي في تركيا التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة.

لن يكون مفاجئا أن يربط النقاش حول " دعم الإرهاب" و " تراجع الحريات الصحفية" بقضايا " الإعفاء من تأشيرة الدخول" و " إعادة قبول اللاجئين". وباستخدام الصحفيين ذريعة فإن دوائر الاتحاد الأوروبي تتحدث عن تعليق الإعفاء من التأشيرة إلى نهاية عام 2018 .

وفي الوقت نفسه من المرجح أن تلغي أنقرة اتفاق إعادة قبول اللاجئين قبل نهاية العام ما لم تحصل على إعفاء من تأشيرة الدخول، ولهذا السبب بالذات فإن قضية اللاجئين تتجه إلى الخروج عن السيطرة بحيث تكون مشكلة تحول أحلام السياسيين الأوروبيين وتطلعاتهم إلى كابوس.

لألمانيا دور محوري في وقف تصاعد هذه الأحداث الإشكالية، لكن حكومة ميركل، ويا للأسف، أخفقت في تنفيذ خططها حول قضية اللاجئين، وهي تواجه الآن معارضة تركيا بشأن تنظيم فيتو الإرهابي.

وباختصار، أعتقد أنه من الضروري تذكير الساسة في بروكسل وبرلين مرة أخرى أن مستقبل أوروبا يرتبط بمصير تركيا. 

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس