برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

استشهد يوم الخميس ثلاثة عساكر أتراك بهجوم شنته طائرة محاربة تعود لنظام الأسد، مما جعل الأنظار تتجه مجددا لعملية درع الفرات. وقد كان هذا الهجوم بعد اقتراب الجيش السوري الحر، ليصبح على مسافة كيلومتر واحد من منطقة الباب، وجاء الهجوم متزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لحادثة إسقاط الطائرة الروسية.

لم يتبن النظام السوري هذا الهجوم، ونفت روسيا أي علاقة لها بالحادثة، فيما وصلت معلومات إلى أنقرة تفيد بأنّ الفاعل هو النظام السوري، واتجه بعض المحللين للقول بأنّ روسيا تريد إعطاء درس لتركيا من خلال سوريا، وانها تزيد الضغط على تركيا من خلال حلب. بينا رأى آخرون بأنّ انزعاج نظام الأسد من اقتراب تركيا وتوجهها نحو منطقة الباب، قد يجعله يشن هجوما مثل هذا.

تركيا تحفظت على ما جرى، ولم يصدر عنها ردود فعل سريعة، بل فرضت التروي والبحث عن تفاصيل ما جرى، وهي لا تريد قطع التنسيق مع روسيا في المجال الجوي السوري، ولا تريد في نفس الوقت الدخول في صدام ساخن مع نظام الأسد، لأنّ قلق أنقرة الرئيس يتمثل في أنْ تتسبب مثل هذه الهجمات بإبعاد تركيا عن أهدافها الرئيسية من عملية درع الفرات. وكان هدف العملية العسكرية التركية هو إبعاد عناصر داعش عن الحدود، والحيلولة دون ربط كنتونات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، كما حققت العملية مكاسب عديدة للجيش السوري الحر، وتبقى أيام على سيطرتهم على منطقة الباب، ووصلت تركيا لوضع قد تشارك فيه في عملية تحرير الرقة من داعش.

صعبت هذه النجاحات غير المتوقعة من عمل قوات النظام السوري، ولذلك صبوا كل جام غضبهم وقوتهم على حلب بمساعدة روسيا، من أجل تضييق الخناق على الجيش السوري الحر الذي من المتوقع ان يسيطر قريبا على منطقة الباب، ونحن نعلم أنّ تركيا رفضت طلب روسيا بأنْ تقوم المعارضة بالانسحاب من حلب. كما أنّ استمرار زيادة قوة ونفوذ تركيا يجعل وحدات حماية الشعب في وضع صعب، وهو امر لا تفضله أمريكا.

تسببت نجاحات عملية درع الفرات بتغيير المعادلات على الأرض، لتصبح تعتمد أكثر على القوى المحلية، وأصبح هناك تنازع بين القوى لإثبات من هي القوة التي من الممكن ان تأخذ دورا في عمليات مكافحة داعش، ولهذا فإنّ التحالفات في سوريا ليست منسجمة تماما بين الحلفاء، وإنما هناك تغييرات مستمرة حسب الظروف والأهداف.

فمثلا، اذا أراد النظام السوري أنْ يستخدم وحدات حماية الشعب لتطهير بعض المناطق من داعش، فإنه سيغض الطرف عن تمدد وحدات حماية الشعب في تلك المنطقة، واذا أراد له ان يتراجع في منطقة أخرى، يستطيع النظام السوري التفاهم بصورة غير مباشرة مع تركيا لتوجيه ضربات لوحدات حماية الشعب، وكذا الأمر بالنسبة لروسيا وأمريكا ولإيران وتركيا والنظام السوري، وما يجري بينهما من تنافس على الأرض.

ساهم التقارب التركي الروسي وتجاوز أزمة إسقاط الطائرة، في أنْ تقوم تركيا بعملية عسكرية مثل درع الفرات، وتركيا تملك من الإمكانيات ما يؤهلها لتقوم بالرد على هجمات نظام الأسد، وعندما يحين الوقت سيسمع الطرف الذي قام بهذا الهجوم، سيسمع الإجابة، ونحن ننتظر الآن اتضاح الصورة أكثر حول هذا الهجوم. مع ضرورة الإشارة إلى أنّ تركيز تركيا على داعش ووحدات حماية الشعب فقط خلال عملية درع الفرات، سيساهم في تقدمها بصورة أسرع، لأنّ الصدام المؤقت والهجمات مثل هذه والرد عليها قد يُضعف الموقف التركي ويُبعده عن أهدافه الحقيقية، وعند القضاء على داعش، ستتغير معادلات المواجهة مع العناصر الفاعلة في سوريا. حينها سيحدث الصدام الحقيقي وستتحدد أطراف النزاع من جديد.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس