مركز ستراتفور - ترجمة وتحرير ترك برس

تلوح أمام تركيا والعراق فرصة للتهدئة بعد فترة من ازدياد التوتر بينهما، حيث سيزور رئيس الوزراء التركي، بن على يلدرم العراق في نهاية الأسبوع ليلتقي نظيره العراقي حيدر العبادي في بغداد، ثم يلتقي رئيس وزراء إقليم كردستان العراق في أربيل. يتوقع خلال زيارة يلدرم أن تسعى جميع الأطراف إلى حل خلافاتها مؤقتا بالاهتمام بالقضايا محل الاتفاق بينها. وقد أشادت لجنة الصداقة البرلمانية العراقية التركية في البرلمان العراقي بالزيارة، ورأتها ا فرصة لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين. لكن مسألة العلاقات الطبيعية بالنسبة إلى العراق وتركيا تعني التعاون البراغماتي الذي تخللته حلقات من الصراع بين الصديقين المزيفين.

وبغض النظر عن مدى ودية زيارة يلدرم فإنها لن تحل المشكلة التي تسببت في توتر العلاقات العراقية التركية أخيرا، ذلك أن تركيا حافظت منذ عام 1981 على وجود عسكري صغير لها في شمال العراق الأمر الذي قابلته العراق بالتعبير عن القلق بين الحين والآخر. في بادئ الأمر أقامت تركيا قواعد داخل حدود العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980، وكان معظمها لتأمين الحدود التركية، وفي عقد التسعينيات من القرن الماضي عززت تركيا وجودها في شمال العراق خلال الحرب الأهلية الكردية في محاولة لكبح مقاتلي حزب العمال الكردستاني. على أن بداية الوجود العسكري التركي في العراق تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى حين رسمت معاهدة لوزان حدود أراضي الدولة العثمانية التي حددت خريطة الشرق الأوسط الحديث. وعلى الرغم من أن تركيا التزمت رسميا بالمعاهدة، فإنها حاولت الاحتفاظ بموطئ قدم لها في مجال نفوذها السابق.

في ديسمبر/ كانون الأول 2015  زرادت تركيا من عدد القوات التي تدربها في قاعدة بعشيقة شرقي الموصل، الأمر الذي أفزع بغداد، لكن تركيا صممت على زيادة عدد القوات السنية والكردية التي تدعمها بالمال والتدريب استعدادا للمعركة المقبلة ضد تنظيم داعش، ووصل التوتر بين تركيا والعراق ذروته في  الفترة التي سبقت انطلاق معركة الموصل، وهي المعركة الأولى في سلسلة المعارك الحاسمة التي ستحدد مصير العراق. ترى بغداد أنه في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الراقية ممارسة سلطتها في المناطق التي استردتها من داعش، فإن الوجود التركي يقوض سيطرتها على الشعب العراقي، ويؤدي إلى إغضاب إيران.

الوجود العسكري التركي في شمال العراق موضع خلاف بين البلدين، لكنه ليس مطروحا للنقاش من وجهة نظر أنقرة، وإذا كان وجود المدربين العسكريين الأتراك في العراق مشروطا بأن تعيد أنقرة التفاوض مع بغداد وحكومة إقليم كردستان، فإنه مكن تركيا من أن تقاتل حزب العمال الكردستاني في قواعده في كردستان، كما منح أنقرة وسيلة لحماية علاقاتها الاقتصادية مع بغداد وأربيل، وفي الوقت نفسه مراقبة المنافس الإيراني. وإذا كان الوجود العسكري التركي في العراق يساعد تركيا حتى وإن كان وجودا صغيرا، فإنه في الوقت نفسه يغضب بغداد ويثير انتقادات القوميين العراقيين الراغبين في أن تمارس حكومتهم سلطتها على كامل الأراضي العراقية.

ومن ناحية أخرى لا يملك العراق الأموال أو القوة العسكرية ولا حتى الرغبة لمحاولة طرد تركيا من قواعدها القليلة التي تحتفظ بها في شمال العراق، وعلاوة على ذلك لا تستطيع بغداد التفريط في أنقرة الشريك الاقتصادي الرئيس للعراق وحكومة إقليم كردستان، فتركيا هي أكبر مستورد لصادرات كردستان العراق، وتعتمد بغداد على تركيا في تصدير النفط  الكردي الذي يعد أكبر مصدر للدخل بالنسبة إلى المنطقة التي تعاني ضائقة مالية، وفي الوقت نفسه يعد العراق سوقا رئيسا للصادرات التركي، وعنصرا مهما في إنعاش الاقتصاد التركي الذي يعاني الركود.

تؤكد هذه العوامل حاجة البلدين المشتركة للتعاون على الرغم من الضغوط التي تواجهها أنقرة وبغداد في مواجهة الخطاب القومي الذي يفضله الناخبون في البلدين. في شهر اكتوبر/ تشرين الأول الماضي ومع بداية اندلاع التوتر الأخير مع تركيا كان رئيس الوزراء العراقي على وشك إطلاق عملية تحرير الموصل التي تعد حجر الزاوية في مسيرة العبادي الذي يأمل أن يترك منصبه وقد قاد جهود العراق لهزيمة داعش، وفي الوقت نفسه يحرص الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على تصوير بلاده بأنها القوة الأبرز على الساحة الإقليمية في المعركة ضد جماعة متطرفة لتعزيز عودة تركيا في الشرق الأوسط.

وبينما تتواصل معركة الموصل وتستمر القوات العراقية في طرد داعش من العراق، فإن مستقبل البلاد يثير القلق، فقد كشفت تركيا بالفعل أنها ترغب في تشكيل مستقبل العراق وهددت بالتدخل في الصراع الطائفي في تلعفر وسنجار وكركوك  لصالح العراقيين السنة، ومنع توسيع الحكم الذاتي للأكراد. تتفق بغداد وأنقرة وأربيل حول بعض القضايا، مثل الحاجة إلى طرد البي كي كي من سنجار، لكن تركيا ستواجه صعوبة في بسط نفوذها في كركوك وتلعفر حيث التنوع العرقي والديني الكبير والمنافسة على النفوذ مع إيران. وهكذا وعلى الرغم من مظاهر الوفاق التي ستسود في زيارة يلدريم، فإن التوترات ستشتعل ثانية بين تركيا والعراق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!