هل استبدال أجهزة كشف المعادن بتكنولوجيا بيومترية للتعرف على الوجوه قد أنهى الأزمة؟ أم أن فتيل الأزمة يمكن أن يشتعل من جديد؟

د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

إن أزمة غلق المسجد الأقصى ووضع بوابات إلكترونية على أبوابه عام 2017 تذكرنا بحادثة إغلاق إسرائيل للمسجد الأقصى أمام المصلين الفلسطنيين بشكل مؤقت ردًا على رشق الحجارة على المصلين اليهود عند (حائط البراق) عام 2014.

والقاسم المشترك بين الأزمتين كان في أمرين:

الأول: في احتمال تفجير انتفاضة الأقصى الثالثة عام 2014.

وانتفاضة أقصى أخرى عام 2017؟

الأمر الذي جعل إسرائيل تخصص أكثر من ألف جندي من مكافحة الشغب لتكون مستعدة للتعامل مع أسوأ السيناريوهات الممكنة.

وإذا كانت الأمطارالغزيرة التي انهمرت عام 2014 قد قللت من عدد الحشود الفلسطينية المشاركة في يوم الغضب الفلسطيني وأبقىت البارود الإسرائيلي جافًا. وبالتالي قد ساعدت على تهدئة الموقف ولم تتطور الأحداث إلى قيام انتفاضة فلسطينية، فإن أزمة إغلاق المسجد الأقصى عام 2017 لم توقفها الأمطار الغزيرة بل أوقفتها صفقة سياسية قد تم عقدها بين الأردن وإسرائيل وبتدخل مباشر من جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟

وهذه الصفقة السياسية بين الأردن وإسرائيل وبوساطة أمريكية مباشرة ربما تساعدنا في فهم دوافع وخلفية قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتيناهو المفاجى ليلة 24 تموز/ يوليو 2017 بإزالة البوابات الإلكترونية، ويدفعنا أيضا أن نطرح التساؤلات الآتية:

ما هي البدائل والخيارات التي تم مناقشتها في اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي والذي عُقد في 24 تموز/ يوليو 2017 بخصوص أزمة المسجد الأقصى الأخيرة ومعالجة ردود الأفعال الغاضبة من قبل الفلسطنيين إزاء نشر بوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى؟

ولماذا لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للمؤسسة الأمنية على وجه الخصوص...

هل هي محاولة لإيجاد مخرج سياسي مع الأردن لأزمة الأقصى..

وهل كان ثمن هذا المخرج مصلحة مشتركة لكل من الأردن وإسرائيل؟

 وهل كان إطلاق سراح حارس أمن إسرائيلي من طاقم السفارة الإسرائيلية في عمان بعد أن كان قد أقدم في 23 تموز/ يوليو 2017 على قتل مهاجميْن أردنييْن مقابل موافقة إسرائيل على إزالة أجهزة كشف المعادن؟

أم لمواجهة خصومه السياسيين بالداخل بأن مبررات أمنية كانت وراء قراره  بإزالة أجهزة كشف المعادن وإزالة البوابات الإلكترونية؟

ولماذا ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على عبارات نتنياهو بخصوص توجيه الشكر لكل من العاهل الأردني الملك عبدالله وجاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على دورهما الإيجابي في نزع فتيل الأزمة في المسجد الأقصى؟

والواقع يشير إلى أن هناك صفقة سياسية قد تم عقدها بين الأردن وإسرائيل وبتدخل مباشر من جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتلخص بالآتي:

إزالة البوابات مقابل إطلاق الحارس الإسرائيلي؟

وكان مسؤولون أردنيون قد أشاروا إلى أجهزة الكشف كثمن لإطلاق سراح الحارس؟

ولكن يبقى السؤال الأهم...

هل إطلاق الحارس في السفارة الإسرائيلية في الأردن مقابل إزالة كشف المعادن قد أنهى أزمة الأقصى أم أن استبدال أجهزة كشف المعادن بتكنولوجيا بيومترية للتعرف على وجوه المشتبه بهم وسيتم تركيبها في الأشهر المقبلة.

ممكن أن يشعل فتيل الأزمة من جديد؟

إن استخدام إسرائيل لتكنولوجيا بيومترية خلال الأشهر القادمة وفرضها على الفلسطنيين سيؤدي إلى خلق أزمة جديدة للأقصى وربما تتطور إلى مواجهة لا يحمد عقباها...

ولن يستطيع كل من الأردن والأمريكان بنزع فتيلها حتى وإن كانت مبررات إسرائيل أن تكنولوجيا كشف المعادن والبيومترية باتت وسيلة تقنية مقبولة عالميا لحماية الأماكن المقدسة...

وربما تستخدم في حماية أماكن مقدسة مثل استخدامها في السعودية أو في الفاتيكان وغيرها من الأماكن المقدسة في العالم..

ما هي التكنولوجيا البيومترية لكشف الوجوه؟

إن هذه التكنولوجيا قادرة على القيام بثلاثة أمور: تحديد ملامح الوجه، وكشف السن والعرق والتعابير والتعرف على الوجه، والتحقق من الهوية والبحث عن الأشخاص.

ويمكن استخدامها لتحديد مواقع الأشخاص وتتبعهم سرًا عن بعد، وكذلك يمكن استخدامها في التجمعات الكبرى مثل التظاهرات والاحتجاجات للتعرف إلى المشاركين واستهدافهم؟

وإذا كان الفلسطينيون قد رفضوا الدخول إلى المسجد الأقصى عبر بوابات كشف المعادن التي وضعتها إسرائيل فكيف سيقبلون أن يخضعوا إلى تقنية بيومترية لكشف الوجوه؟

والتي تعني عمليا أن كثيرًا من الفلسطينيين ستكون حياتهم عرضة للخطر إما بالاغتيال أو الاعتقال؟

إذن فتيل أزمة إغلاق المسجد الأقصى يمكن أن يشتعل من جديد؟

لأن الفلسطنيين لن ولم يسمحوا إلا بالوضع الطبيعي لدخولهم بوابات المسجد قبل حادثة إغلاقه الأخيرة؟

وإن الفلسطينيين غير معنيين بالدوافع الأمنية الإسرائيلية ومبرراتها والخاصة بنصب تقنية بيومترية لكشف الوجوه على أبواب المسجد الأقصى؟

ويبقى أن نقول إن كلا من إسرائيل والأردن كانا مضطرين إلى التعامل مع أزمة إغلاق المسجد الأقصى وموضوع وضع  البوابات الإلكترونية على مداخله بحساسية شديدة فرضتها الظروف الآتية:

أولا: انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بملف إنهاء داعش في العراق وسوريا.

ثانيا: المحافظة على استمرارية العلاقات الإيجابية وديمومتها بين الأردن وإسرائيل.

علما بأن هناك علاقات واتفاقيات أمنية بين تربط الأردن بإسرائيل في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية...

ثالثا: محاولة الأمريكان والإسرائيليين إبعاد البيت الأردني الداخلي من خطر الاحتجاجات الشعبية، وخاصة من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة بالأردن والتي ربما تستثمر أزمة إغلاق المسجد الأقصى وتقوم بتظاهرات واحتجاجات قد تتجاوز حدودها السلمية إلى مواجهة مسلحة محدودة بين الجماعات الجهادية القريبة من تنظيم داعش وقوات الأمن الأردني...

رابعا: أن استمرار إدارة الأردن للمسجد الأقصى إداريا ودينيا أفضل للأمريكان والإسرائيليين من تولي الإدارة الفلسطنيية لهذا الملف فيما لو فشلت جهود الأردن وإسرائيل في تطويق أزمة إغلاق المسجد الأقصى وإزالة البوابات الإلكترونية من مداخله لأن البديل سيكون إدارة الفلسطينيين؟

خاصة وأن المسجد الأقصى يمنح للأردن صفتين:

أولا: الصفة الرسمية لإدارة الأوقاف والشؤون الدينية والإدارية للمسجد الأقصى وهو منصوص عليه في معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن من عام 1994. وأن الأردن حريص جداً على تثبيت دوره كخادم لهذا الحرم الشريف وحارسه.

ثانيا: ينظر الهاشميون في الأردن إلى هذا الدور بمثابة دعامة لشرعيتهم الدينية.

وحيث وجد منافسو نتنياهو اليمينيين الثلاثة في مجلس الوزراء الأمني ​​- برئاسة وزير التربية نفتالي بينيت - فرصة سانحة يمكنهم استغلالها، هاجموه في كلماتهم لخضوعه للضغوط الفلسطينية، وأصروا على أن قرار نتنياهو بإزالة البوابات الإلكترونية يمثل انسحاباً من السلطة الإسرائيلية على (جبل الهيكل) والتي لن تؤدي بدورها سوى إلى المزيد من المطالب الفلسطينية.

وخلاصة القول...

أثبتت أزمة إغلاق المسجد الأقصى ومحاولة فرض البوابات الإلكترونية على مداخله من قبل إسرائيل أمرين:

أولا: الخطر الكامن في الأماكن المقدسة في القدس، لأنها بمثابة قنبلة نووية تكتيكية وضعت لتدمير إسرائيل من الداخل في حال تماديها بالمساس بالمسجد الأقصى سواء بتقييد حركة دخول المصلين الفلسطنيين إليه أو في حالة انهيار المسجد الأقصى نتيجة الحفريات التي تجري تحته.

ثانيا: تداعيات إغلاق المسجد الأقصى على علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية.

إدراك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، خطورة المساس بالمسجد الأقصى وتداعيات المساس به أو محاولة إغلاقه أو فرض إجراءات أمنية خاصة سواء كانت باستخدام تقنيات تكنولوجيا حديثة خاصة بكشف المعادن أو تقنية بيومترية لكشف الوجه...

وينبع إدراك نتنياهو لهذه  الخطورة من تجربة واقعية عاشها بنفسه عام 1996 عندما انتشرت إشاعات غير صحيحة عن مرور نفق إسرائيلي تحت المسجد الأقصى، الأمر الذي أدّى إلى وقوع اشتباكات أودت بحياة سبعين فلسطينياً وسبعة عشر جندياً إسرائيلياً من جهة، ورغبة نتياهو بالحفاظ على بعض المكاسب الإيجابية التي حققتها حكومته، مع عدد من الدول العربية والتنسيق معها حول المتغيرات الجيو استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها على الأمن القومي الإسرائيلي من جهة أخرى...

ولكن التوترات لم تنخفض تمامًا في الوقت الحاضر بعد قرار إسرائيل إزالة البوابات الإلكترونية من مداخل الأقصى، ولأن محاولة إسرائيل فرض تكنولوجيا بيومترية لكشف الوجوه ونصبها في باحات المسجد الأقصى خلال الفترة القادمة، فإن هذه الخطوة تعني أن فتيل الأزمة بين الإسرائيليين والفلسطنيين يمكن أن يشتعل بسهولة من جديد في المدى المنظور القريب...

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس