أسامة السيد عمر - خاص ترك برس

ليس مستغربا البتة أن نجد الاهتمام التركي بقضية الروهينجيا اليوم متسارعا على أكثر من صعيد فالمأساة إنسانية في المقام الأول وما يتعرض له أبناء هذه الفئة العرقية لا تقبل به الشرائع ولا الدساتير، كما إنهم مسلمون تربطهم بباقي المسلمين رابطة العقيدة والدين، بالإضافة لسبب آخر وهو احتضان أرض ميانمار لرفات جنود الدولة العثمانية الذين خاضوا الحرب العالمية الأولى على العديد من الجبهات دفاعا عن الدولة ووجودها ومصيرها حتى قضوا نحبهم دون ذلك.

تشير كثير من المصادر التاريخية الإنجليزية و التركية والتي تروي أحداث الحرب العالمية الأولى أن الدولة العثمانية وعقب هزيمتها أمام جيوش الحلفاء وبالذات بريطانيا على جبهة سيناء وفلسطين والعراق، وقع ما يقارب 12000 جندي من جنودها كأسرى حرب في أيدي القوات البريطانية والتي قامت بنقلهم لمعسكرات الاعتقال في الدول التي كانت تقع تحت حكمها ومنها مصر والهند وميانمار.

ويحتوي الأرشيف الوطني في اسطنبول وكذلك أرشيف الهلال الأحمر التركي على العديد من الوثائق التي توثق أسماء الجنود الذين تم نقلهم لبورما، بالإضافة لمعلومات أخرى عن الدفعات المالية الخاصة بهم.

وحسب تقرير لفريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي زار معسكرات اعتقال الجنود العثمانيين في ميانمار في شهري مارس وابريل عام 1917م فإن أعداد الجنود العثمانيين في معسكر تايتميو قد بلغ تعدادهم 3591، وكان أغلبهم من تركيا، وأما المخيم الآخر والواقع في منطقة شليبو فقد ضم 90 جندي أسير.

وفي ميانمار، عمل الجنود العثمانيون في بناء الجسور وخطوط السكك الحديدية وفي حقول التبغ ومن المحتمل أن بعضهم قد استطاع العودة لتركيا بعد انتهاء الحرب، ولكن من المؤكد أن الكثيرين منهم قد قضوا نحبهم هناك، وقد دفنوا في مقبرتين في ميانمار اليوم، وتعرف إحداهما باسم مقبرة ثايت والواقعة في منطقة تايتميو وسط ميانمار، وهي ذات المقبرة التي زارها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو العام الفائت.

وحسب النقوشات المتوفرة في المقبرة، فإن بعض الجنود الذين توفوا عام 1916م قدر عددهم بـ 1600 جندي عثماني وقد قضى أغلبهم بسبب الأمراض والأوبئة وظروف العمل وتبعات الحرب، وحسب اتفاقيات الحكومة التركية مع ميانمار فقد تم إعادة ترميم المقبرة ووضع شواهد بأسماء الجنود وتاريخ المقبرة وتعتبر المقبرة من أبرز معالم مدينة تايتميو ويتوافد عليها الزوار والسياح.

أما عن أماكن تواجد قبور البقية فهو غير معروف، علما بأن هذه المقبرة التي تضم رفات الأسرى كانت من المقابر المهملة ولفترة طويلة بسبب تعنت حكومة ميانمار وعدم استجابتها لطلبات حكومة تركية لترميم المقبرة وإعادة بنائها.

رغم أن بعض المصادر قد ذكرت أن بعضا من الجنود الذين تم إطلاق سراحهم لاحقا قد بقوا في ميانمار وتزوجوا وعاشوا هناك، إلا أنه لا يمكن لنا تخيل شكل الحياة التي عاشها الجنود في معسكرات الاعتقال التي بعدت بهم عن موطنهم الأصل عشرات آلاف الأميال، ولكن في كتاب "الأسرى الأتراك في الحرب العالمية" للمؤلف أنا بن أولمديم نجد بعض كلمات للجندي خالد أفندي تلخص لنا بعضا من مشاعره التي طغت عليه هناك فيقول "كم أتمنى أن أخرج من هذا السكون الذي لا ينتهي بعد غربتي عن عائلتي لعام ونصف العام لأعود لوطني وأقبل تلك الأرض".

يولي الأتراك اهتماما خاصا برفات مؤسسي الدولة العثمانية وسلاطينها وجنودها في داخل تركيا وخارجها، ذلك أن للأضرحة والمقامات والمقابر دلالة عندهم فهي تذكرهم بأمجاد أسلافهم وتربط حاضرهم بماضيهم العريق، وهذا يفسر لنا اهتمام الأتراك بهذه المقبرة واتصالاتهم السابقة المتكررة مع حكومة ميانمار بشأنها ومن ثم قيام وزير الخارجية التركي بتفقدها وزيارتها. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس