د. سمير صالحة - خاص ترك برس

الروهينغا أقلية مسلمة فقدت اقليمها اراكان في اطار صفقة للاستعمار الانكليزي مع بورما قديما وميانمار اليوم .عددها يتناقص باستمرار في مناطق تواجدها غرب البلاد وعلى مقربة من الحدود مع بنغلادش بسبب حملات التطهير العرقي والديني الممنهج من قبل الاكثرية البوذية ورفض السلطات البورمية الاعتراف بهويتهم وحقهم في العيش  والمواطنة . البعض يظن انها مقاومة مسلحة للدفاع عن الحقوق لكنها لا يمكن ان تكون كذلك فالمدافع والطائرات والالغام هي في مواجهة السيوف والخناجر .. المدعومة ببعض الحناجر .

 حكومة مدنية في السلطة هذه المرة في بلد سيطرت عليه المؤسسة العسكرية والانقلابات المتلاحقة فكان الرهان على أون سان سو تشي، حاملة جائزة نوبل في الدفاع عن الديمقراطية والحريات الى ان اصطدمت بمطالب الاقلية المسلمة في بلدها فرفضت ان تصف الروهينغا بالمواطنين البورميين وتمنحهم ابسط حقوق العيش بكرامة فوق اراضيهم بل فعلت العكس بتجاهل القتل المنظم الذي تشرف عليه مؤسسة الرهبان البوذيين التي حولت اطفال المسلمين الى وقود لحلقات نيرانهم في حملة ابادة متلفزة دون خجل او خوف .

في الوقت الذي كان يستعد فيه العشرات من الزعماء والقيادات السياسية العربية والاسلامية للاطلاع على تقرير الصباح اليومي حول الشرائط والاحوال في بلدانهم والعالم كانت طائرة تركية تهبط على عجل في بنغلادش قاطعة الاف الكيلومترات ليخرج منها وفدا رسميا وخدماتيا يضم السيدة الاولى امينة اردوغان ونجلها بلال ومجموعة من الوزراء وقيادات منظمات الاغاثة الانسانية والهلال الاحمر التركي لبحث ما يمكن فعله من اجل عشرات الالاف من الاقلية المسلمة الروهينغية الهاربة من بطش النظام في بورما .

أمينة أردوغان: " لقد أتينا كي نلفت أنظار العالم للوضع الصعب اللانساني القائم هنا. من المستحيل تجاهل ما يجري من وحشية ، لا بد أن يمدّ الجميع يد العون والمساعدة لإيجاد حل لهذه الأزمة "

بينما كان بعض المرتزقة واسيادهم يستعدون لبحث ما يمكن فعله اليوم ضد تركيا وقيادتها لاضعاف موقفهم وارباكهم في الداخل والخارج وسط حملات التحريض والافتراء كان الرئيس التركي يدعو القيادة في دكا لفتح الحدود امام الاف المسلمين الهاربين من ظلم السلطات البورمية معلنا استعداد تركيا لتحمل كافة المصاريف والاعباء المالية المتوجبة عن ذلك .

في الوقت الذي كان يتباهى محبو ترامب عربيا واسلاميا بعلاقاتهم المميزة مع الادارة الاميركية الجديدة التي ستلقن انقرة الدرس بسبب مواقفها الاقليمية كانت انقرة تستنفر جهودها وتجيش مؤسساتها لتكون في خدمة الاف المسلمين المشردين والنازحين واللاجئين الذين يبحثون عمن يقدم الدعم لهم في مواجهة القتل الجماعي واخماد نار المحرقة التي يواجهونها .

 فيما كان البعض يتلهى بسؤال :

كم هو عدد ممثلي الدول العربية والاسلامية في مجلس الامن الدولي اليوم ؟ ما الذي فعلوه حتى الان وبعد مرور 10 ايام على تجدد اعمال العنف وارتكاب المجازر في مناطق الحدود المشتركة بين بورما وبنغلادش ؟ واين الذين ارسلوا وفودهم وهيئاتهم عربيا واسلاميا الى يريفان للتضامن معها و للمشاركة في تذكر ما حدث قبل قرن ارمنيا لمجرد ان تركيا هي المستهدفة وكيف يتابعون مشاهد المحرقة التي ترتكب ضد المسلمين في زمن الحقوق والحريات والمساواة ،

 كانت رئاسة الشؤون الدينية التركية تعلن اطلاق حملات جمع التبرعات في المساجد وتدعو لتنظيم مسيرات الاحتجاج والتنديد بما يجري من مخطط لتصفية عرقية ودينية في القرن الواحد والعشرين بهذه الوحشية واللااخلاقية وكانت مكاتب منظمة الاغاثة التركية ولجان الهلال الاحمر التركي والعشرات من المنظمات الانسانية تعلن حالة الاستنفار والتعبئة ومناقشة خطط التحرك الميداني لتامين وصول الاف الاطنان من المساعدات .

المشكلة بالنسبة للبعض الان هي ان اردوغان اعلن أن بلاده ستحمل ملف الانتهاكات بحق مسلمي الروهنغا في ميانمار إلى أروقة الأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة، المزمع انعقادها في أيلول الجاري فمن سيتطوع منهم لعرقلة التحرك والجهود التركية ؟ يغضبهم طبعا ان تقود تركيا اليوم الحملة الدولية لوقف الهجمات ضد المسلمين في آراكان، وتقديم المساعدات الإنسانية للفارين من ميانمار إلى بنغلاديش، وان تنسق مع الرياض والدوحة في الوقت نفسه للتعاون على ايقاف المأساة .

التسميات قد لا تكون مهمة هنا . المهم هو ان اقلية مسلمة تتعرض منذ عقود لقتل ممنهج وتصفيات دينية وعرقية على يد الاكثرية البوذية تحت اشراف المؤسسة العسكرية وبتغطية سياسية من حكومة قيل انها ترفع وساما دوليا في الدفاع عن حقوق الانسان وكرامته وحقه في العيش والتعبير وينبغي انقاذها .

من الممكن للغرب ان يسمي ما يجري في ميانمار منذ عام 1992 من اضطهاد للمسلمين امرا مثيرا للقلق ومن المحتمل ان تتضامن الادارة الاميركية عام 2012 مع اقلية تتعرض للابادة الجماعية وتتحرك العام المنصرم لفرض بعض العقوبات الاقتصادية على ميانمار لكننا في العالم الاسلامي ينبغي ان تكون ردة فعلنا اكبر واهم واسرع من ذلك .

قد نختلف مع اردوغان في طريقة القرار والادارة

قد لا يعجبنا اسلوبه في التعامل مع ملفات داخلية وخارجية

قد نحمله مسؤولية اخطاء كثيرة يرتكبها البعض في حزبه

لكنه هو من يسبق الكثيرين دائما في التعبير عن حسه حيال ازمات ومعاناة دول المنطقة وترجمة شعور شعوب العالم الاسلامي  . كما ان  السيدة امينة اردوغان هي من في المشهد هذه المرة .

يخيفهم الان ان يخرج عليهم الرئيس التركي صارخا بكل ما اوتي من قوة : عندنا مكانا لمسلمي الروهينغا ايضا اذا ما ضاقت الدنيا بهم .

تركيا  لا يمكن لها سوى ان تقوم بواجبها التحضيرات للجسر الإنساني والسياسي والتجييش الدبلوماسي للوقوف الى جانب الاقلية المسلمة في روهينغا .. بمن حضر .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس